jeudi 29 octobre 2009

رسالة في الديمقراطية.../ بقلم: عبد الصمد عبد الفاضل

لا تكاد تتصفح جريدة أو مجلة سياسية حتى تلتقطها أكثر من مرة و في مختلف أعمدتها, و الانتقال الديمقراطي ، ودمقرطة المؤسسات... لا يخلو من أي نقاش بين المهتمين بالشأن السياسي المغربي، أصبح الكل يناقش المفهوم ويحلله من وجهة نضر خاصة ووفق مدى إحاطته بالتغيرات السياسية الوطنية والدولية، ويتطلع المقهورون-المقهورين- إلى غد مشرق يكون فيه هامش اشتغال المفهوم اكتر اتساع واكتر تطبيق في ظل اقتسام عادل للثروة والسلطة. وقد ساعدت عدة عوامل على الانتشار المتزايد للثقافة الديمقراطية وبعض المفاهيم المرتبطة بها من قبيل العدالة الاجتماعية، الحداثة، المساواة... منها عمل بعض الحركات الاحتجاجية التي أصبحت تنادي اكتر إلحاحا من الماضي بدمقرطة المؤسسات والنصوص القانونية، وبعض المنضمات الحقوقية و الجمعوية والفعاليات التي ناضلت من اجل توسيع دائرة الحريات العامة وحقوق الإنسان وقدمت من اجل دلك الشيء الكثير، كما ساعدت عوامل أخرى كالإقبال المتزايد على التمدرس والتعليم وتطور وسائل الإعلام والاتصال بمختلف أصنافها -التي تستعمل كوسائل التثقيف العمومي- على تنامي الوعي لدى الأفراد، الجماعات والشعوب بالقيم الديمقراطية و الإنسانية وبضرورة ترسيخ القناعة بان ثقافة الإقصاء والتهميش لا تنتج إلا العنف والعنف المضاد وسياسة الأذان الصماء لا تولد إلا الانفجارات، والقيد على الحريات العامة الفردية و الجماعية والتضييق على القدرات الفكرية و الإبداعية للمواطن –الرعية في المغرب- بمثابة عراقيل تشد دائما إلى الوراء و تحول دون مسايرة تطور العالم ودون تحقيق النمو الاقتصادي و التقدم الاجتماعي والتطور الثقافي و الحضاري، وضرورة تغيير العقليات التي تولي الاعتبار للأشخاص و المصلحة الذاتية اكتر مما توليه للمؤسسات و القوانين ومبادئ العدل وروح المواطنة، وزعزعة الانضمة التي تنعدم فيها أو تضيق فيها المشاركة الجماعية في تغليب للنفوذ الشخصي و العائلي العشائري على حساب تطلعات الشعب. تحت الامتياز العرقي أو الديني -الحكم باسم النسب= النازية أو الديني = الفاشية التي تكرس دائما عقلية الأحادية في كل شيء سلطوية الأب داخل الأسرة والمعلم في المدرسة والشيخ في قبيلته وعون السلطة في دائرة نفوذه وسيطرة المسؤول الأول في الجمعية والجماعة والزعيم في الحزب و الرئيس في النقابة وكل مجتمع أو مؤسسة تعاني من ظاهرة سيطرة الشخصية الواحدة –الزعامة- أو تعرف في ممارساتها و سلوكيات أفرادها ترجيح النفوذ الشخصي أو غيره من النفوذ الذي لا ينتج عن المشاركة الفعلية للمعنيين بالأمر لا تخلو من الاستبداد بشكل من الأشكال حتى وان أرادت أن تطلق على نفسها وصف الديمقراطية فان ذلك لا يتعدى الناحية الشكلية الصورية أما من حيت الجوهر فهي غير منسجمة بل متناقضة مع هذا الوصف وكل تنظيم يعرف ذات الظاهرة لم يتحرر بعد من أتقال ما يناضل ضده وبفعله لا يزيد المشهد إلا تشويها وغموضا. وعموما فمصطلح الديمقراطية ليس جديد أو وليد اليوم بل من أقدم المصطلحات التي لازمت تفكير الفلاسفة مند القديم بدأ بقيدوم فلاسفة اليونان: سقراط مرورا بتنويري القرن 18 وصولا إلى مؤسسي الفلسفة السياسية الحديثة. فالكلمة وحسب العديد من المراجع من أصل يوناني وتعني حكم الشعب للشعب و لمصلحة الشعب حسب تعبير "ابرهام لونكلن" وقد كانت المدن اليونانية مند القرن 6 قبل الميلاد تحكم بالديمقراطية المباشرة مع العلم أن المصطلح عرف تحول وتغير كبيرين وعوم المفهوم إلى أن أصبح من العسير جدا تحديد تعريف دقيق له. وتتجلى ديمقراطية المدن اليونانية في اجتماع الرجال دون النساء في ساحة عامة تحت إطار منظم يسمى الجمعية العامة = الجمع العام وتخريجاته هي مصدر جميع السلطات وعلاوة عن قيام الجمعية بوظيفة التشريع اقتراح ومصادقة القوانين (البرلمان) تنتقل إلى تعيين الهيئات المشرفة على تنظيم وسير نشاط المدينة (اللجنة التنفيذية: الحكومة) و من رحم الجمعية العامة ينبثق كذلك القضاة. فمن حيث تركيبة الجمع العام يعد كل مواطن بالغ سن 20 سنة عضوا فيها وله الحق في الاقتراح و التصويت فالكل لهم نفس درجة الانتماء بغض النضر عن مكانته الاجتماعية أو الاقتصادية وله كامل الحرية في حضور الاجتماعات العادية أو الاستثنائية ويتمتع كل فرد بحق مساو مع غيره في أخد الكلمة والتحدث و إبداء الرأي كيفما كان تافها ومناقشة مشاريع القرارات و التعديلات، ومن اجل تأكيد مبدأ الديمقراطية كان يجرى التصويت علنا برفع الأيدي وليس بالاقتراع السري ذلك لاعتقادهم أن إبداء الرأي علنا يقوي شخصية المواطن ويثبت إيمانه بالممارسة الديمقراطية وعند انتهاء عمليات التصويت تحظى القوانين و القرارات بالإلزامية -بعد تصويت الأغلبية- تصير إلزامية على الجميع حتى على اللذين عارضوها لكن فلاسفة اليونان وعلى رأسهم أفلاطون. عارضو بشدة الديمقراطية على النحو المذكور. وزكوا طرحهم بان المواضيع والقرارات لا تأخذ نصابها الكامل من النقاش ويتم التصويت على بعضها و من طرف الأغلبية انجرارا وراء العاطفة ودون فهم لجوهر القرارات المتخذة ووصفوها بديمقراطية الرعاع والجهلاء وفي مقابل ذلك دعوا إلى طرح مشاريع القرارات بأيدي الفلاسفة، فأفلاطون (427-347 ق.م) الذي ولد بعد وفاة بركليس بقليل وتتلمذ على يد سقراط وزامن محاكمته واكتوى بصدمة إعدامه 399(ق.م) قد تساءل أكثر من مرة عن أنواع الحكم الصالح للمدينة القادر على إشاعة العدالة بين مكوناتها وهذا ما ضل متماسكا به إلى لحظة إعدامه وكان يردد وهو على أبواب الموت "أيها الاثنيون إني أمجدكم وأحبكم ولكني سأطيع الله أكثر مما أطيعكم وطالما عندي نفحة حياة وكنت قادرا على ذلك فتأكدوا أني لن أتوقف عن التفلسف وإلقاء الدرس عن التقية" وانتقد بشدة الديمقراطية الاثنية ولم يتردد عن التعبير عن هذا الشعور بقوله" أخيرا فهمت أن كل المدن الحالية تحكم بطريقة سيئة (يعني الديمقراطية) " و دعا إلى حكم الفلاسفة المتنورين أو أن يتفلسف الحكام الذي عبر عنه بقوله "... لا أمل تقريبا في شفاء تشريعات المدن بدون تحضيرات نشيطة تتضافر مع ظروف موازية،لذلك كنت مدفوعا بشكل لا يقاوم لمدح الفلسفة الحقيقية و الإعلان أن على هديتها يمكن أن تعرف أين تكمن العدالة في الحياة العامة وفي الحياة الخاصة، إن المصائب لن تتوقف قبل أن يصل عرق من الفلاسفة الانقياء إلى شدة الحكم أو أن يأخذ رؤساء المدن بفضل نعمة التفلسف..." ويبدو أن أفلاطون كان يطرح بدائل فكرية تنظيرية عن المجتمع اليوناني كرد فعل عن الفساد الذي كان يتخبط فيه آنذاك وهو نوع الحكم الذي طبق إلى حد ما في العصر الروماني الأول والذي سيطرت من خلاله الطبقة الأرستقراطية على الحكم كما طرح عدة أسئلة في كتابة الجمهورية الذي يعتبر مرجها وبحث ذو قيمة تاريخية كبرى في مجال الأخلاق والآداب والتربية وعلم الدين و الفن عكس ما يعتقده الكثيرين بكونه مجرد نص في السياسة يناقش مصطلحات تندرج في قالب الحكم والتحكيم كما أعطى فيه تعريفا للعدالة التي اعتبرها الحد الفاصل أو الوسيط بين الخير الأكبر المتمثل في ارتكاب الظلم دون عقاب والشر الأكبر المتمثل في تحمل الظلم وعدم السعي للانتقام، والعدالة والديمقراطية لن يتمكن من تحقيقها حسب أفلاطون سوى الفيلسوف الذي يمتلك العلم و المعرفة: معرفة الخير... أن شخص أخر غير الفيلسوف سيتيه في سياق المواضيع المتعددة والمتداخلة و المتشابكة, أما الفيلسوف فله من الحكمة ما يسعفه على إدخال نور العدل للمدينة وتخليص الناس من قتامة الظلم. )يتبع...)
بقلم: عبد الصمد عبد الفاضل
ناشط أمازيغي
تنغيــــــــــرفي 14 أكتوبر2009
Im3ssi@hotmail.com

Aucun commentaire: