رشيد الحاحي
عاد موضوع التعريب إلى واجهة النقاش والسجال السياسي في المغرب،وذلك إثر إعداد فريق "الوحدة والتعادلية" الذي ينتمي أعضاؤه إلى حزب الاستقلال، لمقترح"تعريب الإدارة والحياة العامة" الذي سيقدم إلى لجنة التشريع والحريات العامة وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين. هذه العودة التي تعكس جانبا من "مكبوت" المتخيل السياسي المغربي، وتكشف عن الكيفية التي تنبثق بها مشاريع القوانين، وما يحيل عليه ذلك من خلفيات وأبعاد ايديولوجية، تجعل من مجريات هذا النقاش صورة مصغرة لمهازل النقاش العمومي في المغرب وقصور عقله السياسي
فالقوميون المغاربة وشيوخ حزب الاستقلال كانوا دائما يتحينون الفرصة لطرح مشروعهم التقليدي،وبعد فشلهم في تمريره خلال حكومة عبد الرحمن اليوسفي،يعتبرون فترة الحكومة الحالية التي تفتقد إلى أي مشروعية شعبية وسياسية، فرصة لتمرير ما تبقى من مشروعهم السلفي، فيما بدأ الاسلاميون يلتحقون بالنقاش خصوصا بعد مجيء بنكيران الى راس الحزب الاسلامي ،وبداية جريدته "التجديد" في البحث عن "نشطاء امازيغيين" وهميين بغية تقديم التغطية السجالية اللازمة لقانون الفاسي بمواجهة اصوات الحركة الامازيغية التي بدات تعد العدة للتصدي لهذا المشروع الذي يهدد مكتسباتها الهشة، مما يعني ان الفرصة لن تكون، مرة اخرى، الاعودة بالنقاش الى الوراء، وهدرا للزمن المغربي. ودون الخوض في حيثيات هذا السجال التقليدي، نود تقديم هذه الملاحظات :
- التعريب حاصل منذ عشرات السنوات، وقبل التفكيرفي مشروع تمديده إلى مختلف مناحي الإدارة والحياة العامة، المطلوب الوقوف أولا لتقويم ربع قرن الماضية من تعريب منظومة التربية والتكوين، حيث اتضح بما فيه الكفاية أن أزمة وكارثة هذا القطاع التي بدات مع قرارات الاستقلالي عزالدين العراقي، وكما يستشف حتى من تقرير المجلس الأعلى للتعليم الصادر مؤخرا، تعود في جزء كبير منها إلى التعريب الذي تم في غفلة من المغاربة، ولم يستند إلى أي تصور او دراسة علمية، ولم يفض سوى إلى تأزيم المنظومة التربوية وتكريس آليات إعادة انتاج الفوارق والامتيازات الاجتماعية. فأبناء الفئات المحظوظة، ومنهم دعاة التعريب،يتمكنون من الحصول على شواهد المعاهد والمدارس الفرنكفونية والانجلوسكسونية، ليعودوا لاحتلال حقل النخب والمناصب العليا السياسية والاقتصادية في البلاد ، ومنهم وزراء في الحكومة الحالية، فيما يبقي أبناء الطبقات المستضعفة يتخبطون في مآسي سياسة تعليمية تلفيقية وانتخابية،لا تضمن لهم شواهدها سوى معانات الاحتجاج والتنكيل والعنف في شوارع المملكة بحثا عن لقمة العيش
- الادارات والمجالس الجماعية التي يتحدث عنها المشروع ليست "مفرنسة" ولا "معربة"،بل هي خليط من كل هذا زائد وصف الفساد الذي لن ينال منه تعريب المحاضروالمراسلات والمحررات.والتفكير في تعريب متطرف للحياة العامة والإدارة العمومية في الوقت الراهن بالمغرب،لن يكون الا اثقالا مجانيا لدفاترتحملاتها وهدر للوقت،ومناورة سياسية تعكس محاولة القفز على واقع حال هذه الحياة ، وصرف اهتمام المواطنين عما تعرفه من كساد تدبيري ولغة مخشبة وفساد إداري. أما المقاولات والأبناك وشركات التأمين فحزب الاستقلال خصها بامتياز في مشروعه، لأنها تخص الفئات المهيمنة التي تشكل الفرنسية والانجليزية جزأ من رأسمالها الرمزي، وقبعة لنفوذها المالي والاجتماعي
- من يقول بان" اللغة العربية هي المقوم الرئيسي للانسية المغربية والاساس المميز لوحدة الفكر بين المواطنين"، كما جاء في ديباجة مشروع قانون فريق "الوحدة والتعادلية"،اما انه يجهل مفهوم "الانسية" و"الفكر"،ويجهل ان لغات وثقافة التنشئة والحياة في المجتمع المغربي،والمقومات الرمزية والجمالية لهويته العميقة، تنهل من الامازيغية، واما انه يضحك على ذقون المغاربة
- اعتبار تنصيص الدستور على رسمية العربية منطلقا لسن قانون تعريب الحياة العامة، هو مجرد كشف لاختلالات الوثيقة الدستورية، وإستعلاء ايديولوجي على واقع المجتمع والحياة العامة لللذان يعرفان تعددية لغوية ذات امتدادات تاريخية وثقافية ونفعية بارزة وقوية، اكد التاريخ استحالة طمسها او احتواؤها داخل الاطار الابوي لثقافة الفئات المهيمنة. وبهذا المعنى،فإن تجاهل اصحاب مشروع التعريب الكامل لكون الفرنسية والانجليزية هما جزء أساسي من واقع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية المغربية/ الغربية، وتجاهلهم للاقرار-الخطابي على الاقل- بمكانة اللغة الامازيغية والدعوة الى ضرورة النهوض بها خلال السنوات الأخيرة، لن يكون إلا دليلا عن قصور افقهم السياسي ورغبتهم في الهيمنة المطلقة ، والعودة بالنقاش إلى ما قبل خطاب أجدير المؤسس لمعهد مشلول، والحامل لانصاف اقسم حزب الفاسي،على مايبدو، على اتمام اجهاضه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire