اغـتيال الأوطان ، عادة سيئة *
Azzul ghefwin
آزول غفون :السلام عليكم
فلنبدأ حديثنا ها هنا ، حيث أنهى الجميع حديثهم ، فانتهوا الى قبول حقيقةٍ يدعمها وعيٌ جماهيري ، هجومٌ إعلاميٍ كاسحٌ دام لأكثر من خمسين عاماً بعيد فترة عشر قرونٍ من الاستلاب ، و اليوم موجة استلابٍ مهولةٍ عبر مؤسسات تعليمية ترسخ فكرةً مفادها أنه يوجد وطنٌ عربي ، كحقيقةٍ لا تقبل النقد ، و لا مكان آخر للفرار منها ! !!
لكن هذا الوطن لا يعتمد سوى على جملةٍ من ( الخزعبلات ) ، الترّهات و الخدع ( ركيكة الصياغة ) ، وأحاول هنا أن أبدأ رحلتي عبر هذه الأفخاخ المتكدّسة للوصول الى حقيقة هذا الوطن ، لكن قبل أن أثبت حقيقته من عدمها ، يجب أن أسأل الجميع ( أي بابٍ ولج هؤلاء لأخرج أنا عبر ذات الباب ؟ )
الدين و التاريخ ، بوابتان رئيسيتان ، و خلافهما ليس سوى لغطٍ لا طائل منه يستجدي عواطف سكان هذا الوطن ليغتالوا في عادةٍ سيئة أوطانهم الأصلية ، هذه العادة التي أرغموا عبر جملةٍ من حملات الاستلاب تعلّمها ، و لنبدأ الحديث عن الباب الأكثر رواجاً للدخول عبره ، فلقد كتب أعلاه أنه بابٌ يلج من هم في ضيافة ( الله )
إن الخدعة الكبرى كانت عبر مرجعٍ لم نعرف حقيقةً من الذي قرر ( مرجعيته ) ، فلقد تراكمت أدلةٌ يسهل نفيها عبر هذه المرجعية لكن يصعب و بشدّةٍ إزالتها كعنصر ( وعيٍ ) في حقيقة هذا المواطن الغير ( حقيقي ) ، و عبر هذا المرجع يأتي حديث ( يا أيها الناس ، إن الرب واحد ، و الأب واحد، و ليست العربية منكم أب و لا أم ، و إنما باللسان ، فمن تكّلم بالعربية فهو عربي )(1) في نص لا تنقصه الفصاحة ، يمر بسهولةٍ عبر هالةٍ من الوهم مفاده أن قائل هذا النص المنسّق لا بد من أن يكون ( نبياً ) ، لكنك تكتشف كم الكذب و الخداع داخل هذا النص ( الأيديولوجي ) ، فهذا الحديث ( موضوع ) أي بمعنى ( زائف ) ، و بطريقةٍ أكثر رواجاً للفهم ( ليس حديثاً على الإطلاق ) ، أي أننا نلغي هذه الحقيقة التى تفيد كون اللغة دليلٌ هويّاتي يلغي باقي الأدلة الأخرى ، دون الحاجة الى الحديث عن كون اللغة المنطوقة في كل أرجاء الوطن العربي ليست عربيةً البتّة ، ما عدا ( الدلالات ) مذ فسدت ( الأحكام )
و يصل بنا هذا الباب عبر حديثٍ آخر ( مقنع ) ، يعلمه القاصي و الدّاني يزيد تشبّث مواطننا ( العربي ) بهذا الوطن و هذه اللغة ، و مرةً أخرى كانت الصيغة المنمّقة ، في حديثٍ أيديولوجيٍ آخر لا شأن له بعقيدة المسلم أينما كان ، لكن يتبيّن بوضوح أنه ولج هذه الكتب المملوءة بالترهات و التزييف لغاية بعينها ، من أجل منطقةٍ بعينها ( أحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، و القرآن عربي ، و كلام أهل الجنة عربي )(2) ، و هذا الحديث أيضاً أكذوبةٌ يسهل تصديقها ، يرافقه حديثٌ موضوعٌ آخر ، ضعيف السند مفاده ( أنا عربي ، و القرآن عربي ، و لسان أهل الجنّة عربي )(3) ، و هذان الحديثان بالخصوص يعلمهما القاصي و الداني ، حتى أنه يكاد يكون جزأً من أبجديةٍ يتعلمها الطفل ، فلو خرج أيٌ منّا و سأل راعياً ، طبيباً ، تاجر خردة ، شرطياً ، طالباً جامعياً ، أو جامع قمامة عن لغة أهل الجنّة لأخبرك دونما تأخير ( إنها العربية ! !! ) ، هذا الاعتقاد الذي اعتمد على سذاجة ( الدراويش ) و خيالهم الغني ، و الذي يرسم صورةً مطابقةً للواقع المعاش لحياة ما بعد الموت ! !!
( إذا ذلت العرب ذل الإسلام )(4) ، حقيقةٌ أخرى تنقصها ( الحقيقة ) أيضاً كما هو حال سابقاتها ، فهذه الأكذوبة التي سجّلت في وعي إنساننا ( الليبي ) بصفة الحديث ، لم يتحدّث به أحد قبل أن يستحوذ ( العثمانيون ) على نصيبٍ في الخلافة دام لقرونٍ طوال ، ترى هنا الخدعة السياسية التي ارتدت زي الدين ، فكانت أسهل طريقٍ ممهدةٍ تُعبر لخداع الشعوب ، هي هذه الطريق ، لأن من يتجرأ على المسير عبر خلافها يخالف ( الله ) ! !!
و بعد أن تمكّنا عبر طريقٍ يسهل المسير عبره ، متجنّبين قدر إمكاننا الوقوع في أحد الفخاخ ( الدينية ) نصل الى الباب الثاني ، ألا و هو ( التاريخ ) ، و نحاول قراءة الوثائق التي يمكننا الوثوق بها كمرجعٍ يجيب السؤال ( أين يبدأ هذا الوطن و أين ينتهي ؟ ) – و نجد أننا نعود الى الوثائق المصرية و اليونانية ، إذ لم تكن للعرب دولةٌ واحدةٌ في شبه جزيرة العرب ، ولم يكن لديهم عادة كتابة التاريخ ، فالمجتمع العربي مجتمعٌ بادئ في الكتابة حتى قدوم الإسلام الذي كوّن شخصيتهم التاريخية، فكل ما نقرأه اليوم ليس سوى تأويلات لحقائق ليست سوى جزءٍ من ( سلسلة الخداع ) ، فنقرأ في لوحةٍ لملك مصر ( دين ) من عصر الأسر الأولى قبل أكثر من 4 آلاف سنة ( سقـر أبـت = زجر الشرقيين ) ، و كلمة أبت يمكن كتابتها ( أبّة ) بالتشديد على الباء ، و كلمة أب هي نفس كلمة هب و عب و ما شابهها ، فكل من يقطن شرقي مصر هو ( أبّي ) أي شرقي ( و يحتمل أن يكون أصل كلمة عربي مصري بناءً على هذه الوثائق التي تصف كل من يقطن شرق بصر بالأبي ، و أضيفت العين بدل الهمزة في لسان العرب لفك العجمة )
و أول إشارةٍ للعرب(5) ظهرت في نصٍ ( آشوري ) أيّام الملك شلمنصر الثالث حيث ورد بالنص أن هناك مملكة غرب بلاد آشور يحكمها ملك اسمه (جنديبو) أي جندب ، و في غارة على مملكته قتل ألف من العريبو ، و كان الأشوريّون [ العراقيون ] لا يشكّلون كلماتهم فقرأ النص ( أريبو – أرابو – أريبو – ؤريبي ) ، و لا يزال كثيرٌ من سكّان العراق اليوم ينطقون ( عُربي ) بالضمّ على العين
و في سفر أشعيا يذكر العرب للدلالة على العزلة و الوحشة و السكن بالبوادي ، حيث يرد ( وادي عربة ) الممتد من البحر الميت الى خليج العقبة حيث يفضى الى الصحراء الجرداء المحروق وجهها ، و بعد الإطلاع على وثائق مؤرّخي اليونان نجد أنهم يدعون البقعة التي تمتد من الجزيرة العربية الى بادية السماوة في العراق و تصل بلاد الشام شمالا و ضفاف النيل الشرقية غرباً مرورا بسيناء ، هذه بلاد العرب في نظر مؤرخي اليونان قبل الاسكندر المقدوني
أما أبرهة الأشرم و الذي كان نائب ملك الحبشة على اليمن ، فقد حدّد سكان البادية أو من يعيش خارج المدن ، و أطلقوا عليهم اسم عرب ، وقد تكون تسميته تلك نابعة من تقليدٍ كان ملوك اليمن يعرفوا أنفسهم به فتجد مثلاً شمر يرعش يعرّف نفسه ( بملك سبأ و حضرموت و حمير و [ عربه ] )
حدود الوطن العربي لم تكن تحمل هذه المسميّات ، لكن سردها هنا يتم لسبين الأول لعرض تبيان الاختلاف الذي يميّز العرب عن باقي الشعوب عبر جغرافيا أوطان كلٍ منهم ، و الثاني لتحديد الحدود الحقيقة لهذا الوطن ، فمن الجهة الشرقية ( الخليج العربي) كان العراقيون القدماء يسموه البحر الأسفل أو البحر الجنوبي ، و اليونان كانوا يطلقون عليه الخليج الفارسي ، و لا يزالون بأوروبا و العالم يطلقون عليه تلك التسمية حتّى اليوم
أما الجزء الجنوبي الممتد بين الخليج العربي و الساحل الإفريقي من المحيط الهندي ، فكان اليونانيون يطلقون عليه ( بحر سخاليته ) أو ( البحر الأريتيري ) ، وهو المتصل بالجزء الآخر الذي يسمى الآن البحر الأحمر
أما البحر الأحمر ، فقد كان اليونانيون يطلقون عليه اسم ( الخليج العربي) و العبرانيون يطلقون عليه ( ها ـ يم ) أي اليم ، و الرومان يطلقون عليه اسم (بحر ربرب ) أو ربرم ، أما العرب فكانوا يطلقون عليه (بحر القلزم)
وعند العودة لذات الوثائق ( اليونانية ) نجد أن هؤلاء صحبة ( اللاتينيين ) قد قسّموا بلاد العرب إلى أقسام ثلاثة ( ليست مصر [ بلاد القبط ] ، شمال إفريقيا [ بلاد البربر – الأمازيغ - ] ، العراق و الشام جزأً منها [ بلاد الكرد ، الأشوريين ، التركمان )] ، ليست جزأً منها ) ، هذه الأقسام الثلاثة تحوي [ الحجاز ، تهامة ، نجد ، العروض ، اليمامة ، اليمن] ، و هذه الأخيرة ( اليمن ) ترد أسئلةٌ عن حقيقة عروبتها ترد في نصٍ للمفكر المصري ( طه حسين ) نوردها هنا كما وردت [ إنّ الرأي الذي اتفق عليه الرواة أو كادوا يتفقون عليه فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين : قحطانية منازلهم الأولى في اليمن ، و عدنانية منازلهم الأولى في الحجاز
و هم متفقون على أن القحطانية عرب منذ خلقهم الله فطروا على العربية فهم العاربة ، و على أن العدنانية قد اكتسبوا العربية اكتساباً ، كانوا يتكلمون لغة أخرى هي العبرانية أو الكلدانية ، ثم تعلموا لغة العرب العاربة فمحت لغتهم الأولى من صدورهم و ثبتت فيها هذه اللغة الثانية المستعارة ، و هم متفقون على أن هذه العدنانية المستعربة إنما يتصل نسبهم بإسماعيل بن إبراهيم ، و هم يروون حديثا يتخذونه أساسا لكل هذه النظرية ، خلاصته أن أول من تكلم بالعربية و نسى لغة أبيه هو إسماعيل بن إبراهيم
على هذا كله يتفق الرواة ، و لكنهم يتفقون على شيء آخر أيضا أثبته البحث الحديث ، وهو أن هناك خلافاً قوياً بين لغة حمير (و هي العرب العاربة) و لغة عدنان (و هي العرب المستعربة) ، و قد روى عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا ! !!
و في الحق أن البحث الحديث قد أثبت خلافاً جوهرياً بين اللغة التي كان يصطنعها الناس في جنوب البلاد العربية ، و اللغة التي كانوا يصطنعونها في شمال هذا البلاد ، و لدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف في اللفظ و في قواعد النحو و التصريف أيضا ، و إذن فلابد من حل هذه المسألة
إذا كان أبناء إسماعيل قد تعلموا العربية من أولئك العرب الذين نسميهم العاربة ، فكيف بعد ما بين اللغة التي كان يصطنعها العرب العاربة و اللغة التي كان يصطنعها العرب المستعربة ، حتى استطاع أبو عمرو بن العلاء أن يقول إنهما لغتان متمايزتان ؟، و استطاع العلماء المحدثون أن يثبتوا هذا التمايز بالأدلة التي لا تقبل شكا و لا جدالا ! ، و الأمر لا يقف عند هذا الحد ، فواضحٌ جداً لكل من له إلمامٌ بالبحث التاريخي عامةً و بدرس الأساطير و الأقاصيص خاصةً ، أن هذه النظرية متكلفةٌ مصطنعةٌ في عصورٍ متأخرةٍ دعت إليها حاجةٌ دينيةٌ أو اقتصاديةٌ أو سياسيةٌ ! !!
للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم و إسماعيل ، و للقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ، و لكن ورود هذين الاسمين في التوراة و القرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي ، فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها
و نحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود و العرب من جهة ، و بين الإسلام و اليهودية ، القرآن و التوراة من جهة أخرى ، و أقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية و يثبتون فيه المستعمرات ، فنحن نعلم أن حروبا عنيفة شبت بين هؤلاء اليهود المستعمرين و بين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد ، و انتهت بشيء من المسالمة والملاينة ونوع من المحالفة والمهادنة ، فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين و أصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب و اليهود أبناء أعمام ، لا سيما و قد رأى أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئا من التشابه غير قليل ؛ فأولئك و هؤلاء ساميّون ] (6)
و نعود للوثائق ( اليونانية ) حيث قسّمت بلاد العرب إلى أقسامٍ ثلاثةٍ هي :
أ - العربية السعيدة [ Arabia Felix ] .ب - العربية الصخرية ، و ترجمت بالعربية الحجرية [ Arabia Petreae ] .ج - العربية الصحراوية [ Arabia Deserta]
العربية السعيدة - و يقال لها أيضاً [ Arabia Beata ] و [ Arabia Eudaimon] في اليونانية - ، أكثر الأقسام الثلاثة رقعة ، و تشمل كل المناطق التي يقال لها جزيرة العرب في الكتب العربية الحديثة ، و ليست لها حدود شمالية ثابتة، لأنها كانت تتبدل و تتغير على حسب الأوضاع السياسية ، و لكن يمكن القول إنها تبدأ في رأي أكثر الكتاب اليونان و الرومان من مدينة [ هيروبوليس Heropolis] على مقربةٍ من مدينة السويس الحالية ، ثم تساير حدود العربية الحجرية الجنوبية ، ثم تخترق الصحراء حتى تتصل بمناطق الأهوار عند موضع [ Thapsacus ].
أمّا العربية الصحراوية [ Arabia Deserta] و يقال لها في اليونانية [ Arabia Eremos] وتقابلها ما يقال له ( اربى ) عند الأشوريين ، و ( ماتو أربى ) عند البابليين ، و ( أرباية ) عند السريان والفرس ، أما حدودها فلم يعينها الكتّاب اليونان و اللاتينيون تعيينا دقيقاً ، و يفهم من مؤلفاتهم أنهم يقصدون بها البادية الواسعة الفاصلة بين العراق والشام ، أي البادية المعروفة عندنا ب “بادية الشام” ، و يكون نهر الفرات الحدود الشرقية لها إلى ملتقى الحدود بالعربية السعيدة ، و يمكن إن يقال بصورة عامة إن حدودها هي المناطق الصحراوية التي تقارب الأرض الزراعية لبلاد الشام ، ما كان بعيداً عن إمكانيات الرومان واليونان و متناول جيوشهم
و يفهم من العربية الصحراوية أحياناً ( بادية السماوة ) ، و قد يجعلون حدودها على مقربة من بحيرة النجف ، أي في حدود الحيرة القديمة ، و عرفت عند بطليموس باسم [ Amardocaea] ، و تمتد حتى تتصل ببطائح [ Maisanios Kolpos] أو خليج مسنيوس ( ميسان ) ، الذي يكون امتداد الخليج العربي و قد فهم ( ديودورس ) من العربية الصحراوية المناطق الصحراوية التي تسكنها القبائل المتبدية ، وتقع في شمالها و في شمالها الشرقي في نظره أرض مملكة تدمر ، و أما حدّها الشمالي الغربي و الغربي حتى ملتقاها بالعربية الحجرية ، فتدخل في جملة بلاد الشام ، و أما حدودها الشرقية ، فتضرب في البادية إلى الفرات ، فأراد بها البادية إذن ، و قد جعل من سكانها الآراميين و النبط ( و هؤلاء ليسو عرباً )
كانت البادية ، بادية الشام أو [ العربية الصحراوية ] ، مأهولةً بالقبائل العربية ، سكنتها قبل الميلاد ، لكن لا وجود لنصوص كتابية قديمة أقدم من النصوص الأشورية التي كانت أول نصوص أشارت إلى العرب في هذه المنطقة ، و ذكرت انه كانت لديهم حكومات يحكمها ملوك ، و أقدم هذه النصوص هو النص الذي يعود تاريخه إلى سنة 854 ق م . أما العربية الحجرية [ Arabia Petreae ] ، فتشمل الأرض التي كان يسكن فيها الأنباط ، و خضعت لنفوذ الرومان و البيزنطيين ، و يطلق الاسم على شبه جزية سيناء و المملكة النبطية ، و عاصمتها “بطرا” “بترا” “البتراء” ، و كانت حدود هذه المنطقة تتوسع و تتقلص بحسب الظروف السياسية و بحسب مقدرة العرب ، ففي عهد الحارث الرابع ملك الأنباط “من سنة 9 ق.م إلى سنة 40 ب . م اتّسعت حدودها حتى بلغت نهايتها الشمالية مدينة دمشق
و لما ضعف أمر النبط ، استولى الإمبراطور تراجان عام 106 م على هذه المقاطعة و ضمها إلى المقاطعة التي كوّنها الرومان و أطلقوا عليها أسم “المقاطعة العربية [Provincia Arabia ] و يظهر من وصف ديودورس هذه المنطقة أنها في شرق مصر و في جنوب البحر الميت ، و جنوبه الغربي و في شمال العربية السعيدة و غربها
و هنا نتوجّه للحديث عن ليبيا ، و التي تعتبر جزأً من هذا الوطن ( الغير حقيقي ) ، فنحاول قراءة مكونّات الوطن الليبي بحيادٍ تام ، ألا و هي [ Afgan ، Awal ، Akal] ، [ إنسان ، لغة ، تراب ] ثلاثية وجود الإنسان في وطنه ، كينونته كفرد ، متجسدةً في جسده ، ثقافته ، لسانه ، و لغة مكانه ، و لا بد من هذه الأبعاد من – وطنٍ – يحتويها ، و هنا أحاول أن أتحول من السرد الأسطوري الى الفكر الواقعي التأملي لمسألة – أفكار – الأوطان المجازية التي تعرض أمام عقل الجماعة في ليبيا – القطر -
فكانت فكرة ( الوطن العربي ) الشوفينية التي تقصي كل أنواع التعدد العرقي ، اللغوي و الترابي ، و الثقافي في إطار هذا التجمع البشري ، بمشاريع وحدةٍ – سياسيةٍ – تفرض كون الدولة الليبية و من تحويهم هم جزأٌ من هذا الوطن ، بغض النظر عن مكوناتهم الحقيقية
و انهار هذا الفكر رغم كونه لا يزال متمثلاً في أشلاء مؤسساتٍ متهالكة ، مثل جامعة الدول العربية و ما تحتويه من مؤسسات ، جمعيّات و تنظيماتٍ فرعية رسخت في عقل الجماعة فكرة ( الوطن العربي ) الغير موجود أصلاً، فلقد ولد ميتاً ، بينما بقي موضوع دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا غير معالج بالطريقة المرجوة ، و بالموضوعية العلمية المطلوبة
هنا يأتي السؤال عن فكرة يتخذّ من كانوا يؤمنون بالفكرة الطوباوية الأولى – فكرة الوطن العربي - ، يتّخذ مطيةً ، حجةً و مثار اتهام للتشكيك في وطنية الناطقين بالأمازيغية في ليبيا – القطر -
و هي فكرة الوطن الأمازيغي [ tamezgha ] ، فهل هذا الوطن حسب ثوابت وجود الوطن ، يحوي داخله فكرة دولة وحدة سياسية للناطقين بالأمازيغية ؟ أم أن فكرة [ tamezgha ] لا تتعدى كونها انتماءاً حقيقياً إذا صح القول ، على خلاف الفكرة الاقصائية الأولى ؟ ، هل يحوي هذا الطرح فكرة وطن إقصائي للناطقين باللغة الأمازيغية فقط ؟ أم أنّه – و هذا ما يسرد المنطق – ليست سوى - تعبيراً – مجازياً عن حقيقة هذا الوطن الترابية ، الثقافية ، و الإنسانية ؟
عند البحث في مسألة لسان الوطن الليبي – awal - ، نجد أن اللغة الأمازيغية - الكلاسيكية - و الشبه كلاسيكية ، تتمثل في أقلية لغوية تتراوح ما بين 7 – 12 % - فليس فقط من تكلم الأمازيغية أمازيغيٌ طبعاً - ، فكل دول شمال أفريقيا الأمازيغية العنصر اتخذت لنفسها أسماء عربية و استخدمت اللغة العربية في دواوينها و تعاملاتها ، و من هذه الدول دولة بني الخطاب من قبيلة هوارة و عاصمتهم زويلة بفزان ، و استمروا يحكمون المنطقة من القرن العاشر إلى الثاني عشر الميلادي ومثلهم المرابطون و الموحدون و المرينيون و سواهم كثير ، مما ينفي فكرة كون – tamezgha - بمفهومها الأنتروبولوجي هي فكرة تتمحور حول معتقد تكوين سياسي ، بينما في الجهة الأخرى نجد بما لا يضع مجالاً للشك أن التأثير الأمازيغي الذي أنتجه الإنسان الأمازيغي على هذه الأرض يبدوا جلياً في الموروث الثقافي المعاش بالإضافة الى تجليه عند النظر الى لغة التراب الليبي – Akal - ، بمعنى طوبومونيا المكان الليبي – و الحديث عن لغة المكان الليبي لا يتسع له سردنا هذا لضخامته -
فلنحاول أن نقفز فوق نظرتنا لمسألة تعريفنا للوطن من كونها حركة رد فعل انفعالي ، الى نقلها لتصبح مذهباً فكرياً إذا صح القول ، و لنتحدث عن أول ركنٍ من أركاننا الثلاث ، ألا و هو [ Afgan ، الإنسان ] ، و يجب الإشارة الى أن ذكر القبائل الأمازيغية أمر صعب لأنها أكثر من أن تحصى
يقول ابن خلدون في مقدمته(7) ، ” و أما إفريقية كلها الى طرابلس فبسائط فيح كانت دياراً لنفزاوة و بني يفرن و نفوسة ”
إن الصورة تتغير من حين للآخر ، و في بعض الأحيان تتغير فجأة رأساً على عقب ، فمنذ بضع سنوات كانت نظرية انقراض النياتردال تبدو نظرية مؤكدة و ضرورية لتفسير اختفائهم السريع ، لكن الدراسات البيولوجية التي أجريت على تركيبة خلية الإنسان الحالي ، أثبتت أن الناتردالية لم ينقرضوا ، بل استسلموا لجنس آخر ما لبث أن طواهم تحته حتى أصبحوا – إرثاً – في دمائه
إن الاعتقاد بان جنساً بشرياً أباد جنساً بشرياً آخر بطريق القتال أو الهجرات أمر خاطئ ، فحتى اليوم لا يوجد دليل مادي على أن الإنسان الليبي أخلى مكانه لإنسان آخر ، أو أن الإنسانية – بمطلقها - تعرضت لصراع الأجناس ، فالصراع الجماعي يحتاج الى عمليات إبادة ، و هذا ما لم يحدث في شمال إفريقيا بالتأكيد
بعد حريق روما ، قام الرومان بتنفيذ تعداد لإحصاء سكان العالم – القديم - ، و استمر العمل فيه لما يزيد عن أربعين عاما ، و نتج عنه تعداد يقول بأن سكان العالم يبلغون المائة و الخمسون مليوناً ، منهم ما يزيد عن السبع ملايين في – برقة - ، و ما يزيد عن الستة ملايين في الجانب الغربي من شمال إفريقيا .
تؤكد الكتابات التاريخية الأوربية أمثال كتابات ستاتيوس Statius القرن الأول الميلادي، وأبوليوس Apuleius القرن الثاني الميلادي، وأولبيان Ulpian القرن الثالث الميلادي، وجيرومJerome توفي في القرن الخامس الميلادي، وبروكوبيوس Procopius توفي في القرن السادس الميلادي، والقديس الأمازيغي أوغسطين توفي في القرن الخامس الميلادي، وكاتب كتاب تأريخ الأباطرة الرومان Historia Augusta القرن الثالث الميلادي، وسالوست Sallust القرن الأول قبل الميلاد وترتيليان Turtilian القرن الثاني الميلادي، أصل سكان شمال أفريقيا وفي أضعف الأقوال قرابتهم السلالية منهم ، و هجرتهم من فلسطين - كما يؤكد ابن خلدون - ، إلى منطقة شمال أفريقيا ، لكن بعيداً عن مسألة الأصول المعتادة ، حيث أرجح أنا - شخصياً - فكرة الأصل و عدم الوفود ، كون القبائل الأمازيغية هي قبائل أصيلة غير وافدة من أي بقعة جغرافية أخرى ، إلا أن ما همنا هو تركيبة و وجود هذه القبائل الأمازيغية من عدمهما في المقام الأول و الأخير
بعد انتهاء حكم البطالسة لمصر و امتلاك الدولة الرومانية زمام الأمر في – برقة - ، حدث ما عرف باسم – ثورة اليهود – في القدس سنة 66 م ، و تطور هذا حيث كانت نتيجة تبعاته وصول أثر هذه الثورة الى – برقة – بعد سقوط القدس في 70 م ، و أخمدت الثورة الأولى حينها
و نشبت في سنة 115 م ثورة اليهود الكبرى التي بدأت في ( قورينا ) بزعامة لوقا حيث استباحوا قورينا و ما جاورها و قتلوا ما يزيد عن 250000 من السكان حينها – كما يقول مؤرخون العصر الحديث - ، من إغريق و رومان ، رغم كون الرقم قد ورد فقط 20000 في سجلات ( ديو كاسيوي ) ! !! ، في موجة تخريب عمت كل معابد و مبان و أشكال البنيان العمراني الروماني بصور تدمير لم تزل حية حتى اليوم
و انتهت الثورة في 118 م ، بقيادة القائد الروماني ماركوس توريو ، لكن ما حدث بعد هذه الثورة هو تغيير في التركيبة الديموغرافية لبرقة حيث تؤكد الأدلة التاريخية على أن القاطنين في برقة إبان وصول المد – الإسلامي- الى المنطقة هم قبائل لواتة – الأمازيغية ، ففي كتاب فتوح البلدان للبلاذري( : قال الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي الحبيب ، أن عمرو بن العاص كتب شرطة على أهل لواتة من البربر من أهل برقة : أن لكم أن تبيعوا أبنائكم و نسائكم فيما عليكم من الجزية !! ! ، وبقي النفوذ في برقة لقبيلة لواتة حتى دخول قبائل بني سليم وبني هلال بدايةًًًًًًًًًً من عام 443 هـ “1051 م ” وقد استقر من قبائل بني هلال و بني سليم ببرقة بنو هيب وأحلافهم ، و من أبناء لواتة كان القائد الإسلامي هلال ابن ثروان اللواتي ، و - أبو إسحاق - العالم ، اللغوي ، و الأديب الأمازيغي ، صاحب كتاب “كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ ” ، - كتاب بحث لغوي عن اللغة العربية - !! ! .
عن مدينة ليبية أخرى و هي مدينة مسلاته ” منطقة تقع شرق مدينة طرابلس بمسافة 125 كم ” ، و ينتمي سكان مدينة مسلاته الأصليون إلى قبيلة لواتة الليبية الأمازيغية المشهورة ولكنهم حالياً كلهم يتكلمون العربية لاستعرابهم بعد الفتح الإسلامي ، و ليس فيها من يتكلم الأمازيغية كما هو الحال في العديد من المدن الليبية الأخرى
نسبة كبيرة من السكان الموجودين الآن ليسوا من السكان الأصليين – قبيلة لواتة - فقد هاجروا من مدن أخرى مثل الشعافيين الذين ينزحون من قبائل بنى وليد و الفاتير الذين ينزحون من زليطن – الأمازيغ أيضاً كما سيرد لاحقاً -
عن مدن غريان ” منطقةٌ جبليةٌ تقع جنوب غرب مدينة طرابلس بمسافة 94 كم ” و ترهونة ” منطقةٌ تقع جنوب شرق طرابلس بمسافة 85 كم ” و جزء من مسلاتة و ورفلة ” منطقةٌ تقع في جنوب شرق مدينة طرابلس بمسافة 170 كم ” ، نجد قبيلة أمازيغية أخرى هي قبيلة هوارة من أكبر قبائل شمال إفريقيا التي استقر أكبر عدد من أبنائها في مدينة – صبراتة - ، التي أخذت اسمها من هوار بن أوريغ بن برنس الذي غلب اسمه على أسماء اخوته ملد و مغر و قلدن فسموا جميعاً بهوارة
و تنقسم هوارة إلى عدة بطون ، فإلى هوار بن أوريغ تنتمي بطون كهلان و غريان و مسلاتة و مجريس و ورغة و زكاوة و ونيفن ، و إلى مغر تنتمي بطون ماوس و زمور وكياد و سراى و ورجين و منداسة و كركودة، وإلى قلدن تنتمي بطون قمصانة و رصطيف و بيانة، و إلى بطون ملد تنتمي بطون مليلة و وسطط و ورفل و مسراتة و أسيل، ومن البطون المنتمية أيضا إلى هوارة، ترهونة و هراغة و شتاتة و انداوة و هنزونة و أوطيطة و صنبرة
خلال القرن التاسع إفرنجي امتدت ديار هوارة في إقليم طرابلس ما بين تاورغاء و مدينة طرابلس، و حملت عدد من المناطق في الإقليم أسماء بطونها مثل مسراتة و ورفلة و غريان و مسلاتة و ترهونة ، وقد شاركت قبائل هوارة مشاركة فعالة في الثورات التي قامت في أواخر حكم الدولة الأموية في عام 131 هـ ” 748 م ” ، و استمرت خلال الدولتين العباسية والأغلبية حتى قيام الدولة العبيدية
أما قبائل ورفلة ، فكما يرد في كتاب سكان ليبيا لأنريكو ؤوغوستين(9) ” تنتمي قبائل ورفلة الى أمازيغ هوارة جذم البرانس ، حيث توجد دلائل مثل انعدام القرابة بين قبائل ورفلة و بقية القبائل المجاورة يدفعنا الى الاعتقاد الى أن الدم العربي ضئيلٌ جداً ، إذا لم يكن منعدماً ” ، و من هذه القبائل أولاد ساسي ، و المناسلة و العمائتة و السعدات و قبائل ورفلة الوسطيين ، فالقبيلة العربية الوحيدة هي قبيلة الصيعان الفوقيين ، أما الصيعان الوطيين فهم أمازيغ من قبيلة السعدات
و ذكر ابن خلدون أن قبائل ونيفن و قيصرون و نصورة من هوارة تقيم بين مدينتي تبسة و باجة ، و تقيم في غرب الجزائر قبائل من هوارة من بينها قبيلة مسراتة التي يقيم جزء منها بإقليم طرابلس ، ومنهم من استقر في فزان ” منطقة واسعة تضم جنوب غرب ليبيا الآن، ومركزها مدينة سبها التي تبعد جنوب مدينة طرابلس بمسافة 970 كم، ومن مدن فزان اليوم مرزق و غات و أوباري وبراك ” ، وكانت لهم دولة عاصمتها زويلة حكمها بني الخطاب منهم، واستمروا في حكمها حتى عام ﻫ 806
و قد هاجر جزء من هوارة إلى برقه وأقاموا بها، ثم هاجروا منها إلى مصر، وكانوا في القرن الثالث عشر إفرنجي ينتقلون بين مرسى الكنائس والبحيرة ، ثم نزحوا في سنة 1380 م من البحيرة إلى الصعيد بعد نزاع نشب بينهم وبين زنارة و استقروا بجرجا و ما حولها” محافظة سوهاج الآن ” ، ثم انتشروا في معظم الوجه القبلي ما بين قوص” محافظة قنا الآن ” ، إلى غربي الأعمال البهنساوية ” محافظة المنيا الآن ” ، وذكر القلقشندي في نهاية الأرب أربعة وثلاثين بطنا من هوارة بالصعيد وهم ” بنو محمد وأولاد مأمن وبندار والعرايا و الشللة و أشحوم و أولاد مؤمنين و الروابع و الروكة و البردكية و البهاليل و الأصابغة و الدناجلة والمواسية و البلازد و الصوامع و السدادرة و الزيانية و الخيافشة و الطردة والأهلة و أزليتن و أسلين و بنو قمير و النية و التبابعة والغنائم و فزارة و العبابدة و ساورة و غلبان و حديد و السبعة و الإمرة فيهم لأولاد عمرو و في الأعمال البهنساوية و ما معها لأولد غريب”
فالهجرات الليبية للقبائل الأمازيغية الى مصر قديمة قدم التاريخ ، فتحت وطأة الجفاف بدأت القبائل الليبية تزحف شرقاً منذ الألف الرابع قبل الميلاد ، حيث بادرت قبيلة التحنو الى الهجرة نحو وادي النيل في هجرات تضم عشرات الألوف من رجال القبائل الذين خرجوا مع أبنائهم و زوجاتهم هرباً من الجفاف نحو مصادر المياه الدائمة في نهر النيل
حيث تمكن سيتي الأول من صدهم و ترك ورائه نقوشاً على معبد الكرنك تروي قدرة الفرعون الخارقة على صد هؤلاء المهاجرين ، حيث أنشأ سلسلة من الحصون و القلاع امتدت لمسافة 341 كيلومتراً بين راقوه و أم الخم ، لم توقف مد الهجرات الليبية نحو وادي النيل ، بعدها قام رمسيس التاني بهجمات مضادة ضد هؤلاء المهاجرين ، حيث يظهر في معبد أبي سمبل تمثال لرمسيس واقفاً فوق جسد رجل من التمحو و يطعن آخر بحربة ، بعدها كان تحالف زعيم قبيلة الليبو مريي بن دد مع مجموعات من شعوب البحر الذي كانت نتائجه تغيير في جزء من التركيبة الديومغرافية لمصر ذاتها
فبعدها في عهد رمسيس الثالث عثر على بردية هاريس كتب فيها – إن الليبو و المشواش يحتلون مصر ، و قد نهبوا من مدن الشاطئ الأيمن من منف حتى كربن و بلغوا ضفة النهر العظيم تأملوا ، لقد أهلكتهم و أخضعت المشواش و الليبو و الأسبت و الكيكش و الشاي و الهس و البقن - ، و في نهاية عصر الأسرة الفرعونية الواحدة و العشرين كانت القبائل الليبية قد اخترقت تحصينات الدولة و استوطنت الدلتا خاصة المشواش ، فكان شيشنق الفرعون الليبي – الأمازيغي – الذي حكم مصر و طهرها من الإدارة الكهنوتية الفاسدة (10).
فمن هوارة من استقر بعد ذلك بالقاهرة والوجه البحري، كما يوجد اليوم عائلات تحمل لقب الهواري ببلاد الشام، يمكن القول أنها قدمت من مصر ومن بلاد شمال إفريقيا ، وقد تكون هي ذاتها القبائل التي ينسب أصل الأمازيغ إليها في – اليمن – لأسباب المنطوقات الفونولوجية لبعض قليل من قبائل اليمن ، حيث لا يمكن أن نلغي فكرة وجود قبائل أمازيغية هاجرت من شمال إفريقيا أو مصر الى اليمن -رغم كون مسألة المقارنة اللغوية – لم تحدث بين هذه اللهجات و اللغة الأمازيغية
أما مدن الخمس و لبدة و منطقة ساحل الأحامد فهي موطن يقطنه أبناء قبيلة - كتامة - ، في حين أن سكان النواح الأربع و جنزور و ورشفّانة هم أبناء قبيلة - زناتة – الأمازيغية ، في حين كانت قبيلة صنهاجة – تقيم غرب طرابلس ومعظمها في زوارة والجبل الغربي، وجنوباً في مزدة وسيناون ووادي الشاطئ و القطرون ، و عُرفت بسيادتها في الشمال الأفريقي وخرجت منها سلالات حاكمة مثل الزيريين والحماديين والمرابطون ، و كان ابنها الإمام “شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري” رائد شعراء مدح الرسول الكريم ، أشهر ما كتبه كان قصيدة الهمزية الشهيرة التي يقول في مطلعها :
كيف ترقـى رُقيَّك الأنبيـاءُيا سماء ما طاولتها سمـاءُ؟
لم يساووك في عُلاك وقد حـالسنى منك دونهم وسناءُ
عند النظر الى خريطة – ليبيا – و توزيعه القبائل الليبية – الأمازيغية – أبان الفتح الإسلامي- الذي تؤكد كل المصادر التاريخية أن ليبيا بأسرها – ابتداء من برقة وصولاً الى طرابلس – قبل الفتنة ، قد حررت بناء على – معاهدات – بين عمرو بن العاص و القبائل الليبية !! ! ، يقول ابن أبي الحكم في أحد مراجعه ، يقول أيوب الحضرمي ” عن أبيه قال : سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول : لأهل أنطابلس عهد يوفى لهم به ” ، يقول عبد الله بن عمرو واصفاً حالة الوآم التي كانت تسود شمال إفريقيا بين القبائل الأمازيغية و سلطة الخلافة قبيل هجرة قبائل بني هلال و بني سليم الى شمال إفريقيا ” لولا مالي بالحجاز لنزلت برقة ، فما أعلم منزلا أسلم و لا أعزل منها ، على خلاف ما حدث عند تولي – عقبة بن نافع الفهري – أمور الفتح خليفة للفاتح مهاجر ابن دينار – الفارسي – و التي شابها التلويث و التشويه بفكرة التقتيل و السيطرة و التدمير التي أتى بها عقبة خلافاً لسياسة ابن دينار ، فنجد أن هذه تقسم كما يرد في كتاب سكان ليبيا لأنريكو ؤغوستين ، هذا الكتاب الذي يمثل بشهادة الكاتب الليبي خليفة محمد التليسي ، يمثل قيمة تاريخية ، يمك ن أن تنطلق منه دراسات اجتماعية أنتروبولوجية هامة ، حيث يشكل قاعدة هامة عند الحديث عن التركيبة الإثنية لليبيا ، حيث ترد القبائل الليبية في موسوعة – تاريخنا - كما يلي :
قبائل زناتة : تقيم ناحية سهل الجفارة و مجموعات في غرب يفرن – يفرن و زوارة و العجيلات - .
قبائل لواتة : تقيم ناحية برقة ” وهم عبارة عن مرابطون برقة اللذين إختلطوا بالدفعات العربية الأولى من الهجرة ” ، و لا توجد أي قبائل عربية في برقة باستثناء مجموعتي الحرابة و المساعيد ، و هي أيضاً خليط بأمازيغ لواتة و هوارة .
قبائل كتامة : تقيم ناحية الخمس و لبدة و أكبر قبائلها زواوة في مصراتة و بوقرين .
قبائل زواتة : في منطقة ودان و زلة و ما جاورها .
فبائل هوارة : من طرابلس وصولاً الى فزان مروراً بترهونة ، تاورغاء ، و ورفلة ، و مصراتة – مزمورة - ، غريان و مسلاتة
قبائل لمطة و الأستوريون : ناحية زلة
قبائل صنهاحة : أولاد أبوسيف النازحون من المغرب حديثاً – منذ ما يقارب قرنين من الزمان - ، و جدهم هو عبد المولى الصنهاجي دفين منطقة – ككلة – في جبل نفوسة ، و له زاوية شهيرة مسماة على اسمه ، و المرابطون في ورفلة ” الطبول ، و الفطمان و أولاد أبو راس ، و الزبيدات ، و المغاربة و الصرارة ” يمثلون زوية الصوفية في ورفلة ”
قبائل مزاتة : تقيم ناحية سرت
أما عن الهجرات العربية الى ليبيا ، أبان حكم الدولة الفاطمية ، فإن الحاكم الفاطمي الذي أطلق سهم القبائل المهاجرة الى شمال إفريقيا – بني هلال – و – بني سليم - بما يقارب 150,000 نسمة – فقط - في القرنين السابع والثامن ، فإن هدفه كان استرداد المنطقة من خصومه – الصنهاجيين – الذين عزلوه عن الخلافة ، في هجرة تسببت في خراب لم تتسبب به حرب الخمس مئة عام ، ففي كتاب تاريخ ليبيا الإسلامي يرد ” إذا تذكرنا ؤلائك البدو الشرسين الذين سبق لهم أن مارسوا ما ورثوه في دمائهم عن الجاهلية العربية من حب الغزو و السبي أثناء وجودهم في الحجاز ، و أثناء وجودهم في صعيد مصر الى الشرق من النيل ، استطعنا أن نتصور مدى ما ألحقوه بليبيا و افريقية من خراب لم تشهد له المنطقة مثلاً لا من قبل و لا من بعد ، و هو خراب كان وبالا على الزراعة و الموارد المائية و الأبنية و المنشآت في الدرجة الأولى ، و امن و ثقافة في الدرجة الثانية “
حيث وصف ابن خلدون العلامة ما لحق برقة من خراب على يدي هؤلاء الأعراب المهاجرين و قال ” و تمرست بمدائنها بادية العرب و ناجعتهم فتحيفوها غارة و نهباً ، الى أن فسدت فيها مذاهب المعاش و العمران فخربت ” ، و يضيف في بند آخر قائلاً ” و جميع بطون هيب هذه استولت على إقليم طويل خربوا منه و لم يبق فيه مملكة و لا ولاية إلا لأشياخهم ، و كانت الأمصار المستبحرة مثل لبدة و زويلة و برقة و قصر حسان و أمثالها فعادت يباباً و مفاوز كأن لم تكن ” !! !
إن تحويل ليبيا الى أمارةٍ مشرقيةٍ ، بتدنيس المقدّس و تقديس المدنّس ، بتزوير كل التعاريف السكانية الحقيقية للوطن الليبي بتعريبها ، ليس سوى مطالبة لنا بقبول اللا معقول ، فلا وجود لشيءٍ اسمه ( وطنٌ عربي ) وفق حقائق الدين و التاريخ التي لا تقبل الجدل ، و نسبنا نحن الليبيين لهذا الوطن هو في واقع الأمر نسبٌ مجهول المصدر لا يرتضيه سوى [ ابنٍ لقيط ] لا أب له
Ar Tufatآر توفاتUsigh s ghades d ughigh yaytvؤسيغ سـ غادس د ؤغيغ يايط_______________________
_
(1) قال الألباني في السلسلة الضعيفة و الموضوعة ( 2 / 325 ) .(2) قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 293 ) .(3) قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 298 ) .(4) قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 301 ) .(5) د. جواد علي ، سلسلة ( عرب ما قبل الإسلام ) .(6) طه حسين ، كتاب الشعر الجاهلي .(7) العلامة أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون ، كتاب العبر .( البلاذري ، فتوح البلدان .ـ أبي عبيد عبد الله البكري ، المسالك والممالك .ـ أبي الحسن علي بن سعيد المغربي ، الجغرافيا ، حققه وضع مقدمته و علّق عليه إسماعيل العربي .ـ د. فرج عبد العزيز نجم ، القبيلة و الإسلام و الدولة.(9) هنريكو ؤغستين ، سكان ليبيا .ـ أحمد بن أبي يعقوب بن واضح اليعقوبي ، البلدان .(10) تاريخنا ، دار التراث
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire