dimanche 20 juillet 2008

الحركة الثقافية الامازيغية والنقد الاديولوجي

كل انحراف سياسي مرتبط بانحراف نظري وأي انحراف نظري يؤدي إلى ممارسة سياسية خاطئة
"التوسير"
اتسعت رقعة النضال الامازيغي داخل الجامعة عموديا على صعيد المواقع الواحد وأفقيا على صعيد المواقع الجامعية الممتدة على طول الخريطة الوطنية ،ودلك راجع إلى الاقتناع المتزايد في صفوف الطلبة المغاربة بمشروعية القضية الامازيغية خاصة بعد انحسار المشاريع الاديولوجية الكبرى ، وتزايد الحديث عالميا عن الثقافة ودورها في إعادة تشكيل الخرائط السياسية للبلدان والقارات ،كما يعود الفضل إلى جانب هدا العامل الموضوعي عوامل ذاتية تهم خطاب الحركة ومرجعيتها الفكرية
ورغم بقاء فلول الاديولوجية العروبية متجسدة في فرق الإسلام السياسي وكدا تقاليع متياسرة متصارعة تعلن انتسابها إلى الماركسية اللينينية داخل أسوار بعض الجامعات المغربية إلا أن تأثيرها باهت لولا اللقاحات المتتالية للمخزن المغربي لها
يهدف هدا المقال إلى رصد الدور الذي لعبته الحركة الثقافية الامازيغية في تازيم هده الاديولوجية داخل الجامعة حيت مارس خطاب الحركة على هده الاديولوجية نقدا تقويضيا وتدميريا أبان عن نواقص هدا النسق وسقطاته الأمر الذي عجل باندحاره وتراجعه إلى مواقع متأخرة في سوق الاديولوجيات. وعندما وعت واستشعرت عجزها وضعفها عن السجال الفكري وتبين لها بوضوح أنها تضرب على الحديد البارد تبنت سلاح الضعفاء المتمثل في العنف المادي
يأتي هدا في ظرفية انتقل فيها الخطاب الامازيغي من خطاب ثقافي دو مضمون سياسي إلى خطاب دو شكل سياسي اجتماعي يعمق منطلقاته الثقافية و يعيد صياغة إشكالاته ويراجع أطروحاته
النقد الاديولوجي الذي يقدمه الخطاب الامازيغي لباقي الخطابات إشارة على نضجه وإشارة كذلك على انتقاله من خطاب عاهر بإمكان أي كان أن يتبناه إلى خطاب يعلن استقلاليته وانضمامه كمنافس ومزاحم لباقي الاديولوجيات،أي انتقاله من خطاب متمحور حول مفاهيم من مثل الإقصاء،الإبعاد الممنهج لثقافة الامازيغية وإخراجها من الثقافة الوطنية،إلى خطاب يؤسس لنظرية في الحكم ويدلي بآرائه في المشاكل الحقيقية للشعب المغربي
1- النقد الاديولوجي: يعني النقد الاديولوجي معارضة موقف بأخر واتخاذ موقع سواء على اليمين أو على اليسار .فالاديولوجية تنظر إلى الأخرى بأنها ناقصة،مقابل دلك تضفي على نفسها صبغة المثالية idéalisation وتضفي على غيرها صبغة شيطانية diabolisation.كما تحاول الاديولوجية أن تقدم نفسها بأنها التعبير الحقيقي عن وضعية الناس الاجتماعية و المعبرة عن أفكارهم و انتمائهم وهي الأقرب إلى مصلحتهم ،وأنها نقطة إشعاع الحقيقة و سريان الصواب
النقد الاديولوجي ادا ينتقي من تاريخ الفكر ما يمكن أن يخدم قضاياه ويدافع عنها ويقوي من حضورها ويضمن تأثيرها في الناس و تغلغلها في المجتمع .انه يسعى بتعبير مخالف إلى تخليد وتأبيد الاديولوجية .الماركسية مثلا تطلق على اشتراكية ماركس و انجلز وصف "العلمية "مقابل دلك تطلق على غيرها من الاشتراكيات أوصاف مثل "الطوباوية ،الفوضوية... " كما قال لينين " بالديمقراطية الحقيقية "والتي هي الديمقراطية الاشتراكية وب"الديمقراطية الشكلية "قاصدا بدلك الديمقراطية البرجوازية
بقي لي أن أشير إلى أن هناك نقدا ايدولوجيا تمارسه الاديولوجية ليس على اديولوجية أخرى بل على نفسها وهو مايمكن أن اسميه بالنقد الاديولوجي الذاتي هدا الأخير يوقف عمل الموت ويغلفه ليخلق كيانات تحيا الحياة التي تقتضيها الحياة
اعني بالنقد الاديولوجي ادن هدا الصراع النظري بين الاديولوجيات حول الحقائق و حول امتلاك الحقائق ، وان كان فوكو يعتقد أن المسالة لاتكمن داخل خطاب معين بين ما يمت إلى العلم و الحقيقة بصلة ،وما يتعلق بشيء أخر .أن المشكل عنده هو أن نتبين تاريخيا كيف تتولد مفعولات الحقيقة داخل خطابات ليست هي في ذاتها لا حقيقية ولا خاطئة
2- تجليات النقد الاديولوجي بالرغم من وجود أكثر من اديولوجية في المشهد السياسي المغربي إلا أنها تدور في فلك واحد ألا وهو الخطاب القومي العروبي وبالرغم كذلك من إعلانها الصريح أو الضمني الانفصال عن فكر السلفية ثقافيا و ايدولوجيا لازال الخطاب السياسي المغربي-حسب العروي-سجين مخلفات وارت" الحركة الوطنية" .والصراع دائر بين الخطاب الامازيغي و غيره على هدا المستوى أي مستوى المفاهيم ، مستوى النظرية أو الجانب المعرفي الابستيمي في الاديولوجية على اعتبار أن كل اديولوجية قائمة على بعدين بعد ابستيمي معرفي و أخر عملي" الاديولوجية لا تهمها المعارف فهي ليست نظرية في المعرفة الخالصة البريئة ، فهي اجتماعية و عملية موظفة لخدمة موقع أو سلطة أو شخص أو هيئة "
ولاتصل الاديولوجية مستوى نعتها بهده الصفة (صفة اديولوجية ) إلا ادا وصلت درجة تقدم فيها تأويلا خاصا بها للواقع و التاريخ و المجتمع و الدولة ...فتكون نسقا شموليا يعتمد مفاهيم خاصة معنى هدا أن المعارف لها سلطة وناتجة عن سلطة هده الفكرة امن بها بوجمعة هباز حيث استشهد كثيرا في أطروحاته اللسانية، التي تندرج ضمن النقد الاديولوجي، بما قاله كالفي "وظيفة الاديولوجية هي قبل كل شيء وظيفة اجتماعية لأنها وجدت لدفاع عن طبقة أو عن مجموعة معينة في حين أن العلم الخالص –إن كان له وجود-له وظيفة معرفية واللسانيات في علاقتها بهده الثنائية اجتماعية أكثر مما هي معرفية ".انسجاما و هدا التحليل يتم التميز في جانب علم اللسانيات بين لسانيات داخلية معرفية تدرس اللغة في ذاتها ومن اجل ذاتها كما بلورها اللساني سوسير ،ولسانيات خارجية تدرس اللغة لغرض غير لساني اجتماعي، طبي اديولوجي المتمثل في السيطرة،... ويضيف بوجمعة القول معمقا هده القناعة "أن الباحث الأهلي –أي المنتمي إلى دولة مستعمرة-( بفتح الميم) ينطلق من خلفيتين الأولى معرفية و الثانية اجتماعية وهده الأخيرة متحكمة في الأولى و ما قيل عن علم اللسانيات يقال كذلك عن باقي فروع المعرفة فالاديولوجية- حسب التوسير- ليست موجودة فحسب و تحتل مكانا هاما في عالمنا ،بل هي التي تحتل مكان النظرية بالنسبة للعلوم الإنسانية
مهمة الحركة الثقافية الامازيغية هي تخليص الثقافة و الفكر المغربيين من المخزنية .فهده الأخيرة موجودة في الآداب و العلوم كما في الفنون يقول التوسير" إن من الصعب بالنسبة للمثقفين إدراك الاديولوجية الموجودة في التعليم و برامجه و أشكاله و ممارسته لا فقط في الآداب بل كذلك في العلوم ،فهم موجودون وسط الثقافة (الاديولوجية )كما يوجد الحوت وسط الماء والحوت لايرى الماء الذي يقيم فيه " لقد فتحت الحركة الثقافية الامازيغية اوراشا للعمل في مختلف ميادين الصراع النظري المعرفي الذي يهدف إلى التاطير الفكري و السياسي قصد توجيه الجماهير و تحريكها .ففي التاريخ مثلا لجأت الاديولوجية القومية العروبية إلى مجموعة من الآليات المتمثلة في تزويره ثارة وتحريفه ثارة أخرى وكدا حجب محطاته المشعة كمثال على دلك عندما تجعل هده الاديولوجية من مجيء إدريس الأول،الفار من حرب طاحنة بين الإخوة في المشرق ،بداية لتاريخ المغربي مع العلم أن ابن خلدون افرد فصلا طويلا عنوانه" في أن العرب ادا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب"هدا النفخ الاديولوجي من مجيء إدريس إلى تمزعا هدفه التنقيص و التتفيه من قيمة ما قبل هدا الحدث في حين يؤكد فوكو على ضرورة أن ننظر إلى التاريخ كوحدة لا كوحدات متقطعة .كما اطلقو علي الكيان السياسي الذي أسسه إدريس مصطلح الدولة الادريسية بينما اكتفوا بمصطلح إمارة عند الحديث العابر على الإمبراطورية البورغواطية التي اتخذت تمسنا عاصمة لها واستمرت ثلاثة قرون وهي مدة ضاعفت مدة سيطرة الادارسة ، كما سيطر البرغواطيون على مناطق واسعة مقارنة مع تلك التي شملها النفوذ الإدريسي. إلى جانب دلك حرفت هده الاديولوجية مضامين الظهير الاستعماري ل 16 ماي1930 الشيء الذي جعل المرحوم علي صدقي ازيكو يقول،بالرغم مما كتب على تاريخنا ،"إن تاريخنا لم يكتب بعد ".لم تتوقف هده الاديولوجية عند تزوير التاريخ بل تعدته إلى ترسيخ هدا الوعي التاريخي المغلوط و المزيف لدى الناشئة في المدارس خدمة لمصلحته الاديولوجية .كما اعتبرت هدا التاريخ في صورته المزيفة مقدسا يعاقب كل من مسه أو انتقده (سجن علي صدقي ازيكو) واتسعت بدلك رقعة المقدس و رقعة الوصاية لتشمل كذلك التاريخ
أما في الانتروبولوجية فقد تحدثت هده الاديولوجية عن الثقافة الامازيغية كثقافات ولغات شعبية بشكل محتشم أو كفلكلور يصلح لجلب السياح فهدا محمد زنيبر احد رموز الفكر القومي يتحدث عن الثقافة المغربية في كتاب تحت عنوان" الثقافة و المجتمع في المغرب " فيحصرها فيما كتب أو قيل باللغة العربية الفصحى أو الدرجة من شعر و زجل و الغاز و نكت وأمثال ...ملغيا بهدا التعريف العنصري الاختزالي جزء هما من الثقافة الوطنية ألا وهي الامازيغية نفس الشيء دهب إليه المفكر التونسي الذي تقوم له الدنيا ولا تقعد هشام جعيط الذي رأى في الأمة العربية من المحيط إلى الخليج واقعا انتربولوجيا موحدا كادت البربرية أن تقوضه لولا مجيء الإسلام ووصلت المغالاة بهده الاديولوجية إلى حد المطالبة الصريحة بإماتة الامازيغية(محمد عابد الجابري )أو فرض عقوبات على من لايتكلم العربية(عباس الجراري)
عموما لم يسلم جانب من جوانب الحضارة الامازيغية من نظرة الاحتقار و الدونية التي طبعة تصور الدولة و مفكريها إلى المظاهر الثقافية المشكلة للحضارة الامازيغية على مر العصور .حيث سخرت الدولة في المغرب مكانيزمات اديولوجية جهنمية جد متنوعة من اجل تشييد تصور مشوه عن الامازيغية مقابل دلك وجهت الدولة كل جهودها العلمية و المالية من اجل تشييد تصور مؤسطر عن الثقافة العربية عبر النفخ الاديولوجي في كل ماهو عربي .لقد جعلت الدولة من ثقافتنا الامازيغية فلكلورا لان كل الثقافات معرضة لان تصبح فلكلورا ادا همشت سياسيا
هدا فيما يخص الانتروبولوجيا أما اللسانيات فقد قدمت اللسانيات العربية السوق اللغوية المغربية ليست كما هي بل أدى و ولاءها للقومية العربية إلى ترسيم لغة أجنبية هي العربية الفصيحة ونظرت و تنظر إلى الامازيغية كلهجات محرومة من أي دعم علمي و مادي بل مورس على اللغة الامازيغية كما يقول سالم شاكر اضطهاد لم يسبق أن مورس على أية لغة طبيعية أخرى في العالم مع العلم أن الفرق بين اللغة و اللهجة لايعود إلى اللغة في ذاتها بل إلى عوامل خارج عن اللغة كالسياسة والاقتصاد لهدا اعتبر المفكر اللغوي لافيل اللغة لهجة مدعمة سياسيا واللهجة لغة غير مدعمة سياسيا أي أن كل لغة لهجة وكل لهجة لغة في الأصل و أن الذي يجعل لهجة ما لغة هو الدعم السياسي وليس عوامل لغوية بل من طبيعة غير لسانية اقتصادية و اجتماعية
ماقيل في العلوم السابقة ينسحب كذلك على علم الطوبونيميا (أسماء الأماكن ) اد استبدلت الأسماء الامازيغية لشمال إفريقيا بأخرى عربية و هو إجراء تريد الدولة به أن تجعل لأسماء الأماكن امتدادا في اللغة و الثقافة العربية نفس الشيء حصل فيما يتعلق بأسماء الأشخاص
بعد هده الإشارات المقتضبة و الخاطفة في بعض فروع المعرفة الإنسانية يحق لنا أن نقول بان الحركة الثقافية الامازيغية تمكنت من بناء جهاز مفهومي وعدة فكرية و منهجية قادرة على أن تقف ندا الاديولوجيات العتيدة داخل الجامعة و خارجها ،كما تمكنت بفضل هده العدة –هي في تطور مستمر-من تقويم وتثقيف اعوجاجات و كدا تصحيح أخطاء هده الاديولوجية و تعريتها وتبيان مواقع الخلل فيها بالتالي قامت بنقد اديولوجي لها خاصة وان هده الاديولوجية العروبية "الوطنية" جاءت كما تزعم لقلب الاديولوجية الاستعمارية فقامت الحركة الثقافية الامازيغية بقلبها من هنا تكون الامازيغية قلبا للقلب
- المقال عبارة عن محور في محاضرة ألقيت في جامعة الرشيدية ضمن الأسبوع الثقافي الذي نظمتهMCAاعتمد فيها صاحبها على مراجع لم يعد إليها عند النشر
لحسن زروال باحث في الثقافة الامازيغية

Aucun commentaire: