تحت شعار "انتفاضة الريف 58-59 ... ذاكرة تأبى النسيان" وفي إطار تنفيذ ببرنامجها المسطر لتخليد الذكرى الخمسينية لانتفاضة الريف المجيدة، وبحضور جماهيري كبير كما ونوعا، نساءا ورجالا، نظمت تنسيقية الذاكرة الجماعية بالريف يومه الأحد 16 نونبر 2008 بقاعة المركب الثقافي ميرادور بالحسيمة ندوة فكرية وعلمية حول موضوع "انتفاضة الريف 58-59 : السياق والتداعيات"، شارك فيها الأستاذين جمال الكتابي ومحمد زاهد
في البداية رحب المسير السيد محمد الزياني بالأساتذة المحاضرين، وبالحاضرات والحاضرين، مذكرا بالسياق العام للندوة وحيثيات تنظيمها، ثم دعى الحضور للوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء انتفاضة الكرامة والديمقراطية، شهداء انتفاضة الريف الخالدة
بعدها أعطى الكلمة لسمير المرابط ليلقي كلمة باسم "تنسيقية الذاكرة الجماعية بالريف"، ذكر من خلالها بالمغزى العام لتخليد الانتفاضة خاصة في ذكراها الخمسينية، رغم المحاولات التي تمت من أجل بتر أي أثر لهذه الانتفاضة من ذاكرة أبناء الريف، في عملية للتعتيم لا يوازيها غير فضاعة جريمة القمع الوحشي للانتفاضة سنة 58-59
الأستاذ جمال الكتابي الفاعل والناشط الجمعوي في قضايا الهجرة والقادم من هولندا خصيصا للمشاركة في هذه الندوة، تناول الكلمة لتقديم عرضه المتمحور حول السياق العام لانتفاضة الريف، تناول الغموض والإقبار الذي تعرضت له أحداث الانتفاضة، باعتباره سياسة تستهدف اجتثاث أي أثر لها لدى أبناء الريف، مشيرا إلى محمد الحاج سلام أمزيان الذي تولى قيادة الانتفاضة. كما أشار إلى طبيعة الانتفاضة باعتبارها عصيانا مدنيا جاء نتيجة لتراكم سياسات كان هدفها الأول والأخير تهميش أبناء المنطقة وحرمانهم من مزايا الاستقلال التي يشهد التاريخ بدورهم الأساسي في نيله من خلال مقاومتهم الباسلة للإحتلال الإسباني. فكان جزائهم بعد انسحاب الاستعمار المزيد من التهميش والإقصاء عن مراكز القرار، حيث عمل المخزن ومليشيات حزب الاستقلال على تصفية جيش التحرير وقادته من خلال الاغتيالات والاختطافات، واستباحة المنطقة أمام المليشيات الحزبية لتعيث فيها فسادا وخرابا
بعد بداية الانتفاضة وشموليتها في جميع أرجاء الريف عمد المخزن لتسيير فيالق جيشه المدعومة بملشيات الحزب العتيد "الاستقلال" لترتكب أبشع الجرائم في حق المدنيين العزل، من قتل للمدنيين وبقر لبطون الحوامل، وحرق للمنازل والممتلكات، ما يعتبر وفق القانون الدولي من الجرائم ضد الإنسانية... بعد هذه الحملة التخريبية التي عملت على تصفية أبناء الريف خاصة قادة الانتفاضة ورموزها، تبعتها سياسة أشد إيلاما وجرحا تمثلت في التهجير المنظم لأبناء المنطقة في إطار صفقات مع العديد من الدول الأوربية خاصة هولندا وألمانيا وبلجيكا... كسياسة لاقتلاع أبناء الريف من أرضهم وموطنهم، وجعلهم عبرة لغيرهم
كما أشار المحاضر إلى محاولات الدولة لطي صفحة الماضي عبر ما سمي ب"هيئة الإنصاف والمصالحة" التي لم تقدم أي جديد فيما يتعلق بملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالريف، بل عمدت إلى إقبار الحقيقة في هذا الإطار، مقارنا إياها –هيئة الإنصاف والمصالحة- ببعض التجارب في مجال العدالة الانتقالية وطي صفحة الماضي من قبيل تجارب كل من السيراليون ورواندا والتشيلي... مستنتجا مفارقة أساسية مفادها أنه في جميع التجارب يفقد الجلاد سلطته أن يندثر وجوده كليا ويعلو صوت الضحية بل قد يتسلم الحكم في بعض التجارب، عكس التجربة المغربية التي نتج عنها قوة أكثر للجلادين واندحار للضحايا وتشتتهم
الأستاذ محمد زاهد الناشط الأمازيغي والباحث في قضايا المنطقة وصاحب دراسة علمية مفصلة حول انتفاضة الريف، تناول في محاضرته "السياق العام لانتفاضة الريف وتداعياتها"، الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سبقت وواكبت وتلت انتفاضة الريف، وربطها بالظروف والحيثيات التي سادت بمناطق أخرى من المغرب... كما تحدث عن بعض تفاصيل الأحداث، خاصة الاختطافات والاغتيالات التي باشرتها مليشيات وعصابات حزب الاستقلال ضد أبناء المنطقة، الذين زجت بهم في معتقلات شهيرة من قبيل "دار بريشة" الذي قتل فيه العشرات من المدنيين العزل، مما جعل أبناء المنطقة يثورون وينتفضون ضد هذه السياسات التي تستهدف محو وإقبار العوامل الثقافية والحضارية والبشرية المحلية
كما تحدث المحاضر عن سياسة العقاب الجماعي لأبناء الريف جزاء لهم على بطولتهم وكفاحيتهم النضالية ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي... قبل انتفاضة 58-59 وبعدها بشكل لا يقل همجية عن همجية الهجوم الوحشي والجرائم ضد الإنسانية التي طبعت الرد المخزني على الانتفاضة
كما أشار إلى هيئة الإنصاف والمصالحة وتغييبها العمدي لملف الريف من تقريرها النهائي ومن تحرياتها الميدانية، مما ينم عن انعدام رغبة سياسية حقيقية لدى النظام السياسي في طي صفحة الماضي وتدشين حقيقي لمسلسل الانتقال الديمقراطي، لتبقى بذلك الهيئة بعيدة عن متطلبات وشروط العدالة الانتقالية في حدودها الدنيا، مما حدى بالمحاضر إلى اعتبارها عدالة "انتقامية" وليست انتقالية
بعد ذلك أعطى المسير الكلمة للحضور الكريم للمساهمة والمشاركة بآراءه ومقترحاته وتصوراته حول انتفاضة الريف، وهذا ما كان، حيث تعددت وتنوعت المداخلات مستفسرة ومتسائلة، بل وكانت إسهاما أساسيا في إغناء المحاضرات الأساسية للأستاذين جمال الكتابي ومحمد زاهد، مما دفع بالأستاذين في ردهما إلى ولوج تفاصيل ذات قيمة كبيرة أضفت على الندوة نوعا من الحميمية وجوا من المشاعر في الذكرى الخمسينية لانتفاضة الريف المجيدة 58-59، خاصة تلك التفاصيل التي رواها الأستاذ الكتابي حول علاقاته المباشرة في هولندا بالحاج محمد الحاج سلام أمزيان قائد الانتفاضة وزعيمها، حيث عاش أيامه الأخيرة بشجاعة ونبل وصمود قبل أن يغيبه الموت سنة 1995 ليدفن في مسقط رأسه ومركز قيادته ببلدة آيت بوخلف بإقليم الحسيمة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire