lundi 3 novembre 2008

التفاصيل الكاملة لأحداث احتجاز الأمازيغ المغاربة بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة

عبد الرحيم شهيبي: تمازغا بريس
الساعة تشير إلى 9 من صباح يوم الأربعاء، ساعتين فقط قبل موعد انطلاق الرحلة التي تربط الدار البيضاء بالجزائر العاصمة، عبر طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية، بدأ الجمع يحتشد بمطار محمد الخامس. الجميع يتحسس جواز السفر والوثائق اللازمة، بينما رشيد راحا، منسق الوفد، يوزع التذاكر على الأفراد، وبدأ العد العكسي، السعادة بادية على الوجوه، وربما أغلب المشاركين، ستتاح لهم الفرصة لزيارة تيزي وزو لأول مرة، وكم تمنوا ذلك في قرارة أنفسهم
في الطائرة المتوجهة نحو الجزائر، لحظات بعد إقلاعها الساعة تشير إلى الحادية عشرة، حان موعد السفر، تفتيشات روتينية، ومرور عبر الممر المؤدي للطائرة، ابتسامة عذبة ترتسم في وجوه المضيفات وطاقم الطائرة، توزع الأفراد على المقاعد المخصصة لهم، لتنطلق الطائرة والوجوه لاتزال متفائلة، بين الفينة والأخرى، يتبادل طاقم الطائرة بعض الكلمات مع بعض أفراد الوفد، خصوصا عندما يلمح أحدهم علما أمازيغيا أو أي رمز يشير إلى الأمازيغية، ومن باب الفضول، يبادرون إلى طرح أسئلة، "واش نتا قبايلي" "انتا مغربي ولابس شعار شبيبة القبايل، واش تحبهم" "مرحبا بيكم عندنا فالجزاير، راكم تحبوها" وغيرها من الجمل
الإعتقال والعياء أثرا كثيرا على المناضلين حطت الطائرة الجزائرية بمطار هواري بومدين على الساعة الثانية بتوقيت ڱرينتش، وعند النقطة الحدودية، استعدادا للدخول إلى الأراضي الجزائرية، أحمد الدغرني يسبقني ببضع خطوات، منح جواز سفره لشرطي المراقبة، كان ينتظر تأشيرة الدخول، فجأة ينظر إلى الخلف موجها كلامه إلي "هاد ولاد الحرام فروسهم شي حاجة، حيدو لي الباسبور"، يأتي دوري كذلك، لينتزعوا مني جوازي، ثم يدخلوننا كل على حدة إلى قاعة المغادرة بمطار هواري بومديان، أجهزة الأمن بمختلف تلاوينها تحيط بنا، والحيرة تعتلي جل الوجوه الواجهة، لم يستطع أحد إيجاد تفسير لما وقع، حتى المسؤولون الأمنيون يحاولون الترويح عنا بالترحاب المصطنع "نتوما راكم فبلادكم، مرحبا" "حنا هنا باش نحرسوكم، راكم تعرفو الوضع الأمني فالدزاير" " يمكن ليكم ترتاحو، حنا نتسناو التعليمات من السلطات، ومايكون غير خير إنشا الله"، أما بالنسبة للوفد المنهوك والخائر القوى، لم يستطع ما إذا كانوا ممنوعين من التوجه إلى تيزي وزو، أم أنهم سيطردون إلى المغرب، أو سيتم اعتقالهم، لقد سلموا للأمر الواقع، ارتمى البعض منهم على الكرسيين الوحيدين بقاعة المطار الفسيحة، وافترش البعض الأخر الأرض ليستسلموا للنوم في محاولة منهم للتغلب على التعب الذي أنهكهم، وحدهم رشيد راخا وفيصل أوسار و أمينة بن الشيخ من ربطوا الإتصال بالعالم الخارجي عبر هواتفهم النقالة، رشيد راخا يتصل بتيزي وزو، بينما الأخرين يتصلان بوسائل الإعلام والصحافة، بينما الدغرني يعطي تفسيرات للحدث، كل مرة والتفسير الذي يتوصل إليه حسب الظروف والمزاج "راهم غير خايفين علينا من الإرهاب"، "غادين يطلقونا ويتبعونا حتى لتيزي وزو"، "راهم مجبرين يوفرو لينا الحماية"، "القضية راه فيها المغرب والجزاير"، ولم تمض غير دقائق معدودة لنعلم رسميا أننا ممنوعون من الدخول للتراب الجزائري، وسوف نبيت ليلتنا في المطار، على أساس أن يتم ترحيلنا للمغرب في الغد
رشيد راخا في اتصال مع بلعيد أبريكا بتيزي وزو بسرعة قياسية، تم إفراغ القاعة التي تأوينا من كل المسافرين الأخرين، وتم تطويقها بمختلف الأجهزة الأمنية، وخبرونا أنهم سينقلوننا إلى قاعة مؤثثة للاستقبالVIP، ليجتمع المعتقلون الذين يبلغ عددهم 33 شخصا (من بينهم صحافي الجريدة الأولى، ومدير مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية BMCE) ويقرروا الدخول في إضراب عن الطعام إحتجاجا على احتجازهم، ويرفضوا الإنتقال إلى قاعة VIP طالما أنهم سيحتجزون فيها كذلك. بدأت المفاوضات على أشدها من أجل إقناع المعتقلين لإخلاء قاعة المغادرة والتوجه إلى قاعة VIP المتوفرة على كل شروط الراحة حسب أقوال المفاوضين الجزائريين، وكثيرا ما نسمع لازمة "انتوما فبلادكم، مرحبا بيكم" "حنا نديرو الإجراءات الأمنية، ومانديروش السياسة". لكن يبدو أن المغاربة مصممون وعازمون على خلق المتاعب للجزائريين، وبالفعل ذهبوا أبعد من ذلك حين طالبوا بحضور وكيل الجمهورية وانتداب محامي قصد تسجيل شكاية ضد الدولة الجزائرية التي أعتقلتهم وحبستهم في المطار دون تقديم أي توضيحات أو تبريرات، وكان التبرير الوحيد مقدم من طرف المدير العام للخطوط الجزائرية، الذي قدم نفسه بكونه من مواليد مدينة بركان المغربية وأن المغاربة إعتقلوا شقيقه وانتزعوا منه 103 هكتارات من الاراضي في ملكيته، ليجيبه الدغرني مرة أخرى "انتا من بركان، وبوتفليقة من وجدة وداير فينا هاد الحالة"
الدغرني على متن الطائرة، يطلع على الجرائد الجزائرية، ويبدو أنه متفائل بانعقاد الكونغريس بتيزي وزو، قبل أن يفاجأ بالاعتقال حوالي الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي الجزائري وبعد أكثر من 7 ساعات من الإحتجاز، حضر إلى مطار هواري بومديان، عبد الله بلقزيز سفير المغرب بالجزائر مصحوبا بسائقه وموظفا أخر بالسفارة، استفسر عن أوضاع المحتجزين الذين تحلقوا حوله، وطالبه الجميع بتسوية وضعيتهم، ليحرك هاتفه رابطا الإتصال بالأمين العام للخارجية الجزائرية، ليستفسره عن أسباب إحتجاز مواطنين مغاربة بالمطار، ووضح له وضعيتهم قائلا "راه 33 مغربي عندكوم، دارو ليهم بحال الكلاب فالمطار" ليؤكد له مخاطبه الجزائري بأنهم وفروا الأكل والأغطية والأسرة لجميع المغاربة المعنيين، وأنهم ممنوعون من الدخول إلى التراب الجزائري لأنهم جاؤوا في مهمة لعقد اجتماع سياسي ممنوع، ليستشيط السفير المغربي غضبا ويرد على مخاطبه "راني دابا معاهم، ما كاين والو من هادشي اللي كاتڴول، الناس ماعندهوم حتى حاجة، وراهم ڱالسين غير فالدس، وانتا راك عارف البرد اللي كاين فالجزاير، هادشي راه ماشي معقول، وراكم ماترضاو يوقع هادشي لشي جزايري فالمغرب"، "إلى كاين شي مشكل، كنتو تڴولوها ليهم، وديك الساعة ردوهم لبلادهم فالطيارة اللي جابتهم، هادشي راه حشومة"، ليعود السفير من جديد مؤنبا، المغاربة لعدم إخبارهم السفارة المغربية بقدومهم إلى الجزائر، وأكد أنه لم يتوصل بخبرهم إلا قبل قليل "راني كنت في اجتماع للجنيرالات ديال شمال إفريقيا، وراني كنت مدعو للعشاء رسمي، ولكن مللي سمعت بالقضية ديالكم، سمحت فالعشاء واعتذرت ليهم، وخرجت من الإجتماع باش نجي لعندكوم"، وحاول السفير من جديد ربط الإتصال بوزارة الداخلية الجزائرية لكن دون جدوى
عبد الله بلقزيز، سفير المغرب بالجزائر يستسفر المغاربة المحتجزين بالمطار طلب السفير من مواطنيه تناول بعض الطعام لكسر الجوع والإرهاق، وأخبر أننا في إضراب عن الطعام، وأضاف الدغرني "هادو حلفو ماياكلو الماكلة ديالهم حتى يطلقوهم، أما إلى كاين شي ماكلة غادة تجينا من السفارة ديال بلادنا فمكاين حتى مشكل" قبل أن يستدرك "نشوفو معا الإخوان يجتمعوا ويهرسوا الاضراب عن الطعام، إلى غاديين تجيبو ليهم الماكلة من السفارة". ونظرا للفوضى التي اتسمت اللقاء بين المحتجزين والسفير المغربي، تقدم الدغرني ورشيد راحا وانفردا بالسفير، ليقترحا عليه أن يطلب من السلطات الجزائرية، أن يتم ترحيلم لأحد الفنادق بالعاصمة الجزائرية، تحت مسؤولية السفارة المغربية، على أساس أن يتم ترحيلهم إلى المغرب في الغد، وهو المقترح الذي رفضته السلطات الجزائرية، لتبقى الأمور على وضعها وتفشل الدبلوماسية المغربية رغم جهودها لإيجاد حل للمشكل، ويعتذر السفير المغربي لمواطنيه، مؤكدا لهم أنه سيغادر، وطلب من القنصل العام أن يحضر ليحل محله، وأمره أن يبقى معنا حتى تتضح مجريات الأمور قائلا "شوف دابا واش تنفعك الأمازيغية ديالك معاهوم"، ويغادر المطار بعد منتصف الليل
من جهته حاول القنصل العام المغربي الحبيب الحوري إيجاد حل ملائم، واقترحت عليه السلطات الجزائرية، تنقيل المحتجزين إلى غرفة مؤثثة VIP متوفرة على كل الشروط الملائمة لراحتهم، وهو الأمر الذي رفضه المعتقلون، وليخبروا أنهم تحت إمرة قانون الطوارئ الجزائري، قبل أن يتم تهديدهم باستعمال القوة ضدهم، وتطويقهم بأزيد من 30 رجل أمن من رجال التدخلات السريعة بالإضافة إلى عدد أخر لا يستهان من مختلف تلاوين أجهزة الأمن، ومن غريب الصدف، أن أغلب رجال الأمن من القبايليين، ويتحدثون إلينا بالأمازيغية قصد إقناع الجموع لإخلاء قاعة المغادرة بالمطار التي احتلوها وعطلوا الكثير من المصالح، وطلبوا منهم التوجه إلى القاعة المخصصة، وهو ماقبله المحتجزون على مضض وقلة قليلة منهم من تشبثوا ببقائهم، إلى أن تم إجلاء الجميع إلى القاعة المخصصة VIP وتحت حراسة مشددة ومرافقة القنصل العام المغربي ومساعده الذي بقي مع المحتجزين إلى غاية الساعة الثالثة صباحا بالتوقيت الجزائري
قاعة VIP التي تم إجلاء المعتقلين إليها، ويظهرون في الصورة خلال اجتماع لتغيير القانون الأساسي وفي القاعة المخصصة، عقد المحتجزون مؤتمرهم موازاة مع المؤتمر المنعقد بتيزي وزو، فرغم التعب والعياء، استمر المغاربة في اجتماعهم، وأنهوا إضرابهم عن الطعام ليشربوا القهوة والشاي وبعض الحلوى أمدتهم بها سلطات المطار، رغم معارضة أمينة بن الشيخ ومحمد الحموتي الذين تشبتا بقرارهما للإضراب عن الطعام
وقد استمر مؤتمر المغاربة إلى غاية الرابعة والنصف صباحا، قدمت خلاله تعديلات للقانون الأساسي للكونغريس العالمي الأمازيغي، ليفض الإجتماع، ويستلقي الجميع لأخذ قسط من الراحة، كل حسب هواه، ويستمر الإجتماع على الساعة العاشرة بعد ساعات قليلة فقط من النوم. لتنتخب الأجهزة الجديدة التي ستسير المنظمة
وفي كل مرة يتضايق فيها المغاربة من أمر معين، يبدأون في الصراخ، ورفع شعارات تندد بالإعتقال وبوتفليقة والجزائر، وسرعان ما يحضر المسؤولين الجزائريين، ويلبوا كافة طلبات المغاربة وبأسرع وقت ممكن. كما أن المغاربة ارتأوا لكتابة لافتات، كتب عليها باللغتين الفرنسية والعربية "أمازيغ معتقلون" و"مغاربة محبوسون بالمطار"، وهي اللافتات التي أزعجت السلطات الجزائرية، نظرا لأن أغلب المسافرين الذين يغادرون الجزائر أو القادمون إليها، يقفون للحظات لقراءتها، ثم يرفعون شارة النصر من زجاج النافذة، تعبيرا عن تضامنهم مع المعتقلين، وأسرع بعض الامنيون لنزعها، وأمام إصرار المغاربة وصراخهم واحتجاجهم، لم يجدوت بدا من تركها، فأحضروا سبورة إعلانية لتغطية اللافتات من الواجهة الخارجية، فاضطر المغاربة لنزعها من مكانها، ووضعها في مكان أعلى، لا تغطيه السبورة الإعلانية
حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس، أخبر المحتجزون، أن لارام رفضت إعادتهم إلى المغرب، نظرا لعدم توفر أماكن شاغرة، وكان الوحيد الذي سيستقل الطائرة المغربية، اسماعيل إيجي (موظف بمؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية، والذي جاء مع الوفد المغربي ممثلا للمؤسسة، لحضور الجلسة الإفتتاحية بتيزي وزو) ويكون بذلك أو المفرجين عنهم، فيما أعطي وعد للأخرين، بأن هناك مشاورات ومفاوضات مع الخطوط الجوية الجزائرية قصد ترحيلهم إلى المغرب، على الساعة السادسة والنصف مساءا على متن طائرة خاصة، وهو ما كان، ليفرج عن المعتقلين تحت حراسة بوليسية مشددة، ومنحت لهم جوازات سفرهم وتذاكر، وسمح لهم باقتناء بعض السلع بمرافقة رجل شرطة، وفي الساعة السادسة والنصف، ودع الجميع معتقل هواري بومديان بالجزائر

Aucun commentaire: