mercredi 12 mars 2008

نقاش أمازيغي/ أمازيغي حول الفدرالية والحكم الذاتي***الجزء الثاني

محمد المساوي
الحركة الأمازيغية بالمغرب وتصورها للدولة
: في إطار الدينامية النضالية للحركة الأمازيغية ما بعد تأسيس "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، كمؤسسة مخزنية لا يتجاوز دورها التوقيع على بياض للمخزن وسياساته، وكآلية من آليات إحتواء المد النضالي للحركة الأمازيغية.. عرفت الحركية الأمازيغية دينامية وفورة للأفكار والتصورات، كان من أبرز نتائجها تحقيق طفرة نوعية في مطالب الحركة وطريقة بلورتها وتفعيلها، تجلت أساسا في تضمين سؤال الحكم وشكل الدولة في صلب النضالية الأمازيغية الديمقراطية، من هنا تم تثبيت مطلبي العلمانية والفدرالية في خطاب الحركة وأدبياتها
طرحت فكرة علمانية الدولة والمجتمع في العديد من وثائق الحركة الأمازيغية، خاصة مع "ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن مراجعة الوثيقة الدستورية"، وكذا "ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف حول دسترة الأمازيغية"، وفي طبيعة الدولة اقترح ميثاق المطالب "دسترة الجهويـة الجغرافية عبر انتقال الدولة المغربية من دولة مركزية إلى "دولة الجهات" وفق مبدأ التوازن "، فيما يعتبر "ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف" المبلور الفعلي والرسمي لفكرة الفدرالية حيث طالب ب"إقرار النظام الفدرالي في الدستور المغربي"
هذا النقاش الذي تبلور طيلة سنة 2004، عرف امتدادا فكريا وتنظيميا تجلى في تدقيق مفاهيم الدولة والحكم، حيث عقدت لجنة ميثاق الريف أربعة أوراش حول الإشكالية الدستورية إثنان منها حول العلمانية والفدرالية. كما تأسست اللجنة الوطنية لدسترة وترسيم الأمازيغية التي دمجت في مطالبها مجمل مطالب ميثاق الريف، وهذا موثق في تقارير اجتماعات اللجنة وفي بياناتها منذ لقاء مكناس إلى غاية اللقاء الوطني الموسع –والأخير- بالناظور في فبراير 2007 مرورا بلقائي أكادير وبمراكش
وهو نفس النقاش الذي أطر اشتغال معظم المكونات الجمعوية للحركة الأمازيغية، خاصة منظمة تاماينوت التي جعلت من الفدرالية شعارا لمؤتمرها الأخير، وكذا الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، وكنفدرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب... وغيرها من التنظيمات والجمعيات الأمازيغي
هذا وقد شكل مطلب الفدرالية تطويرا وملائمة لتصور الحركة الأمازيغية للحكم والدولة مع خطابها ذو البعد الوطني بل والشمال إفريقي... فقد سبق لبعض مناضلي الحركة الأمازيغية أن طرحوا فكرة الحكم الذاتي للريف منذ فترة مبكرة، فالسيد رشيد الراخا رئيس "مؤسسة مونتغمري هارت" والرئيس الأسبق للكونغريس العالمي الأمازيغي طرح الفكرة للنقاش العمومي والعلني منذ ما قبل سنة 2002، حيث أطر العديد من الندوات والعروض حول الموضوع، كما طالب بيان المجلس الفدرالي للكونغريس العالمي الأمازيغي المنعقد في أكادير بمنح الحكم الذاتي "للمناطق الأمازيغية" بالمغرب
هذا النقاش الذي سبق لطرحه السيد الراخا داخل الحركة الأمازيغية، بقي حبيس ندوات وحوارات إعلامية، ولم تتبناه المكونات الجمعوية للحركة الأمازيغية، إلى حدود يوليوز 2004 حيث صدر "ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف حول دسترة الأمازيغية" الذي نص وبصراحة على المطلب الفدرالي
فكرة الحكم الذاتي للريف وإن كان رشيد الراخا هو أول من طرحها داخل الحركة الأمازيغية مستندا ومقتبسا التجربة الإسبانبة، فإنها طرحت في ثمانينات القرن العشرين من طرف منظمة "إلى الأمام" الماركسية خاصة بعد أحداث انتفاضة 1984 بالشمال، حيث طرحت صيغة "الحكم الذاتي للمناطق ذات الخصوصيات الإثنوثقافية" محددة هذه المناطق في الريف، زايان وسوس
بغض النظر عن تصور منظمة "إلى الأمام"، فإن الملاحظ أن الحركة الأمازيغية تعرف نوعا من الارتباك في تعاطيها مع إشكالية الدولة والسلطة والحكم، حيث انتقلت من طرح فردي للحكم الذاتي إلى شبه إجماع على مستوى الريف وعلى المستوى الوطني على "الطرح الفدرالي" منذ 2004، لتعود بعض مكوناتها في 2008 لطرح "بيان الحكم الذاتي الموسع للريف" الذي استجمع توقيعات فردية، كما تلاه بلاغ تينزرت حول "الحكم الذاتي لسوس الكبير" الذي صيغ بتوقيعات جمعوية
فهل يتعلق الأمر بتجريبية مزاجية داخل الحركة الأمازيغية؟ أم بعدم إدراك للمفاهيم وأبعادها؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مسميات لشيء واحد (الفدرالية = الحكم الذاتي)؟؟ هنا نعتقد أن الأمر يستحق محاولة لتوضيح مفاهيم "الحكم الذاتي" و"الفدرالية"
ما هو الحكم الذاتي؟ رغم الغموض وعدم الوضوح الذي شاب ويشوب مفهوم الحكم الذاتي، فإنه يمكن تقسيمه إلى نمطين: الحكم الذاتي في إطار القانون الوطني (القانون الدستوري) والحكم الذاتي في إطار القانون الدولي
فالحكم الذاتي في القانون الوطني "هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة" (محمد بوبوش: مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي والدستوري، http://boubouche.maktoobblog.com ) أي أن الحكم الذاتي في القانون الدستوري، لا يتعدى أن يكون نوعا من الجهوية الموسعة التي تتجاوز سقف اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية –دون أن تصل إلى سقف الفدرالية- تتمتع فيها أقاليم الحكم الذاتي بنوع من السلطة في تسيير شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تختلف تجاربها من دولة لأخرى
ففي بعض الدول يتعلق الأمر بنص دستوري في الدستور المركزي، ينظم ويحدد مجالات اختصاص مناطق الحكم الذاتي، كما هو الأمر في إسبانيا وإيطاليا، كما ينظم هذه المناطق قانون أساسي –غالبا ليس في مستوى دستور جهوي- خاص بالإقليم يحدد صلاحياته ومؤسساته
وفي بعض الدول الأخرى لا يتعدى الأمر مجرد قرار حكومي وقانون صادر عن البرلمان لا يرقى إلى مستوى نص دستوري، كما هو الأمر في علاقة الحكومة البريطانية بمنطقتي "ويلز" و"سكوتلاندا"... في هذه الحالة يبقى من صلاحيات السلطة المركزية أن تتراجع عن قراراتها وقوانينها وتسحب صلاحيات الحكم الذاتي في أي وقت شاءت بمجرد قرار حكومي أو قانون برلماني، لأنه ليس هناك ما يلزمها على المستوى الدستوري
وفي كلا الحالتين، يبقى الحكم الذاتي في إطار القانون الدستوري، مجرد جهوية موسعة تتمتع فيها منطقة الحكم الذاتي بنوع من الصلاحيات السياسية وبجهاز حكومي تنفيذي وبسلطة تشريعية وقضائية، لكن في إطار رقابة مركزية مباشرة وغير مباشرة، تستطيع إلغاء القوانين والقرارات التي تصدرها منطقة الحكم الذاتي... (لمزيد من التفاصيل راجع: محمد بوبوش: الجهوية السياسية كأداة لتجاوز مشكل الصحراء boubouche.maktoobblog.com) كما تبقى منطقة الحكم الذاتي معزولة عن باقي مناطق الدولة، ولاتملك أي تأثير في سياسات المركز، في مقابل التأثير الكبير للمركز في سياساتها، حيث مهما بلغت سلطات منطقة الحكم الذاتي، ومهما تعددت مناطق الحكم الذاتي في الدولة، فإنها تبقى في إطار دولة مركزية
الحكم الذاتي في إطار القانون الدستوري تلجأ إليه الدول التي تعرف أزمة تعددية عرقية وإثنية أو ثقافية، تتجمع فيها أقلية أو أقليات معينة في منطقة أو مناطق محددة ومعزولة وليس لها أي ارتباط بباقي أرجاء الوطن أو بباقي السكان، حيث تكون النزعة أو التوجه الإنفصالي هو الغالب، فيعتبر الحكم الذاتي حلا لتجنب التقسيم والانفصال، حيث تمنح الأقيات العرقية أو الإثنية أو الثقافية سلطة واسعة في تسيير شؤونها بنفسها
وهذه هي الوضعية في التجرية الإسبانية، حيث أن أقاليم الحكم الذاتي أو المجموعات المستلقة الأساسية: بلاد الباسك، كاطالونيا، كاليسيا..، لكل منها خصوصية إثنية وثقافية ولغوية تميزها عن غيرها، إلى حدود الرغبة بل والعمل المباشر من أجل الانفصال عن الدولة الإسبانية في منطقتي كاطالونيا والباسك، حيث الصدام تاريخي من أجل تشكيل الوطن الكاطلاني والوطن الباسكي. أما باقي المجموعات المستقلة فقد أحدثت أساسا لخلق نوع من التوازن، فضلا عن التوجه الديمقراطي لإسبانيا الجديدة ما بعد ديكتاتورية فرانكو لمنح المناطق والمواطنين أوسع السلطات في تسيير شؤونهم
وللإشارة فقط، فقد نص دستور الجمهورية الإسبانية الثانية في سنة 1931 على دولة الأقاليم، غير أن الحرب الأهلية واستيلاء فرانكو على السلطة حال دون تطبيق الدستور، وقد سارت على هذا المنحى العديد من الدساتير الأوربية خاصة الإيطالي لسنة 1947، كما اقتبس فكرة دولة الأقاليم دستور البرتغال لسنة 1975، وقد أعاد الدستور الإسباني لسنة 1978 التأكيد على فكرة الأقاليم بعد تدقيقها
أما في القانون الدولي العام "يمكن القول أن الحكم الذاتي Autonomie/self- governement من وجهة نظر القانون الدولي، أن يحكم الإقليم نفسه، ويقصد به أيضًا " صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها". وقد يطلق عليه أيضاً الحكم الذاتي الدولي International autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها أو عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم..." (للمزيد انظر: محمد بوبوش: مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي والدستوري، مرجع سابق) هذا إضافة إلى أن الحكم الذاتي في القانون الدولي نص عليه الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة في المادتين 73 و74... أي أن الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام يكون في إطار ميثاق الأمم المتحدة وتحت ضوابطها القانونية والسياسية، كما أنه يكون نظاما انتقاليا تتمتع به بعض المناطق الواقعة تحت الاستعمار أو أي شكل من أشكال التبعية والخضوع لبلد أجنبي. يكون الهدف منه هو تأهيل هذه المنطقة –التي تكون في الغالب ذات خصوصية عرقية أو إثنية أو ثقافية- من جميع الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية، لتتمكن من تسيير شؤونها في أفق إعلان استقلالها النهائي عن الدولة التابعة لها
وهذ كان حال العديد من الدول والمناطق التي كانت تحت حكم الاستعمار الأجنبي، ومن آخر هذه التجارب تجربة تيمور الشرقية التي انفصلت عن أندونيسيا، وكذا تجربة السلطة الفلسطينية في أفق المفاوضات النهائية المتوقع أن تعلن الدولة الفلسطينية المستقلة
وخلاصة الأمر أن الحكم الذاتي في إطار القانون العام الدولي ذو ارتباط وطيد بمفاهيم تقرير المصير السياسي والاستقلال الوطني -يتبع-

Aucun commentaire: