samedi 19 janvier 2008

صدور الترجمة العربية لكتاب "عبد الكريم ملحمة الذهب والدم " للباحثة زكية داوود

مدخل
"الرجل الذي امتطى صهوة الغيم قلائل هم الساسة الذين وسموا تاريخ حقبتهم بأثر وهاج كالذي خلفه محمد بن عبد الكريم، الشهير بعبد الكريم أو الأمير، والذين تم بعد ذلك التكتم عليهم قصدا. هذه هي القصة، النموذجية من عدة نواح، التي أروم حكايتها [1]. وهي قصة حقبة ورجل معا تتمثل الحقبة فيما بعد الحرب العالمية الأولى التي ُتعتبر حرب الريف، التي خاضها عبد الكريم، امتدادا لها وفي ذات الوقت نذيرا بالانفجار المدوي الذي أحدثته بعد ذلك بأقل من عشرين سنة الحرب العالمية الثانية التي كانت أكثر دموية من الأولى، وبالكفاحات المناهضة للاستعمار التي شهدتها سنوات الخمسينيات والستينيات. والحقبة أيضا هي باريس مطلع القرن العشرين التراجيدية واللاهية في آن واحد، ومخططات الثورة السوفياتية والحزب الشيوعي الفرنسي المنبثق من صلب الأممية الثالثة التي أفضت بهما إلى نداء الشرق، وهي المخططات والنداءات التي أسست العالم الثالث كمنظور حديث.[2]. أما الرجل فمتواقت كذلك، وعلى نحو مدهش، مع هذه الحقبة، رغم أنه لم يسبق له أبدا أن غادر بلده المغرب، ونادرا ما برح الريف، منطقته الشبيهة بلسان أرضي متقدم من أفريقيا نحو خاصرة أوربا، رجل زعزعت إستراتيجيته الحربية النظام الاستعماري وهو في أوج قوته آنئذ، ووضعت فراسته السياسية كمصلح أسس دولة ما قبل حديثة وثورية قياسا إلى عصره وإمكانياته. فقد تصدى هذا الرجل بنجاح للغزو الاستعماري الاسباني، وجابه تحالفا فرنسيا-اسبانيا قوامه 000 500 جندي بقيادة الماريشال بيتان، الذي كان تحت إمرته 42 جنرالا، متحديا بذلك " اكبر جيش شهدته بلاد البربر منذ العهود القرطاجية". وفضلا عن ذلك، أفلح هذا " فرسنجيتوركس"(0) البربري [3] في إثارة موجة من التضامن قادها من فرنسا شيوعيون واشتراكيون وفوضويون رضوا بأن يتحملوا جراها 320 سنة من السجن و45 سنة من الإبعاد. وفي غمرة هذه الحركة المناهضة للاستعمار، كان بعض الكتاب، وفي مقدمتهم السرياليون،قد تميزوا بكراهيتهم لمجزرة الحرب العالمية الأولى وللقمع، فتعبأوا خلف شعار"لن ندفع فلسا ولا قطرة دم واحدة من أجل الريف[4]". لقد كان لملحمة عبد الكريم دوي عالمي بلغ مداه حتى موسكو، وأنقرة ، والبرازيل، والبقاع النائية لجزر الهند وآسيا الوسطى. ولم يقف رجعه المزلزل عند العالم الإسلامي فحسب. فهذا "هوشي منه" الذي كان في باريس في العشرينات يصفه بـ" الرائد" وهو ما يغني عن كل بيان. وبعد ست وعشرين سنة، سيستلهم دروس معركة أنوال في ديان بيان فو، وهي نفس الدروس التي أقر بها ماو تسي تونغ، وتيتو،و آخرون عديدون. أكيد أن عبد الكريم ليس هو من ابتكر حرب الغوار كشكل فطري للمقاومة اهتدى إليه الأضعف لمواجهة الأقوى. لكنه هو الذي منهجها ونظمها، وجعل منها فنا حربيامن كان إذن هذا الرجل المدهش؟ وأي شيء في مساره الشخصي،(المعبر تماما عن بلده وعصره)، وفي طويته،أمكنه أن يبرر مثل هذا التطابق مع الظروف؟ سيتبين لنا ذلك في سياق الأحداث والعلاقات التي تشكل لحمة هذا الكتاب، وسيكون بمقدورنا أن نفهم عندئد كيف استطاع، في فترة محددة، أن يؤثر في مجرى التاريخ. أما قوته، وبصيرته، وجاذبيته الجماهيرية، فقد شهد له بهما رجلان، أحدهما هو الكاتب لويس أراغون الذي قال:"كان عبد الكريم هو قدوتنا في مرحلة الشباب" ، والآخر هو الصحفي الأمريكي فنسنت شين[5] الذي صرح في الستينيات لتلفزة بلاده بأن غاندي وعبد الكريم هما أهم رجلين أثرا فيه كثيرا طوال حياتهليس مدهشا إذن أن تجتمع حول رجل من هذا العيار كوكبة من الشخصيات العجيبة. لأن حرب الريف عبارة أيضا عن شخصيات مدهشة، روائية تماما، وكانت مع ذلك من لحم ودم. هناك ليوطي، المارشال اللامع،الذي كانت مقاومة عبد الكريم إيذانا بنهاية مساره السياسي، والمراقب المدني ليون غابرييلي الذي أقدم من أجل التفاوض مع الأمير على اللحاق به إلى غياهب جباله، ودانيال بورمانسي- ساي،"الشقيق الساحلي"، أي المهرب الرائع، والألماني الفار جوزيف كليمس الذي رغب في مشاطرة الأمير المهزوم مصيره، والقايد حدو، السائق والمرشد المحنك والدبلوماسي الفطن، و امحمد شقيق الأمير،الذي خيم بظله على القضية الريفية بمجملها، وقام، من أجله بالتردد على العواصم الأوربية وقيادة الجيوش، وجاك دوريو، النائب الشيوعي الذي امتدحه تحت قبة البرلمان الفرنسي غير حافل بالسخريات،و غوردون كانينغس، القبطان الانجليزي والمفاوض الريفي الشبيه بشخصية خرجت من قصة خيالية، مؤسس لجنة الريف (Riff Committee) بلندن وصديق عبد الكريم... وثمة غيرهم كثيرون... لقد عَبَر عبد الكريم ورفاقه بضع سنوات من بداية القرن العشرين كالشهب. ثم لفهم الصمت الثقيل والنسيان. وعلة ذلك كامنة في هذه القصة الآسرة، المثيرة للجدل- التي أسالت في حينها ومنذئذ كثيرا من الحبر- المليئة بصخب الحرب وعنفها ومنافسات القوى العظمى، والتي استطاعت لفترة قصيرة، تقريب الفجوة بين شمال المتوسط وجنوبه. كما يكمن السبب في ردود الفعل المتلاحقة التي إثارتها ملحمة عبد الكريم في المغرب واسبانيا وفرنسا، كتلك الدوائر المتراكزة التي يحدثها حجر القي في الماء، وهي دوائر امتدت حتى الستينيات وما بعدهاوبالفعل هاهو اثر عبد الكريم باق إلى اليوم، دون نسب سياسي مباشر وقائم، بل مع الرفض العنيد لهذا النسب، وهو رفض مدهش كقصة الرجل نفسه، وها إن نجمه مستمر في اللمعان ليس فحسب فوق جبال الريف، بل حتى خارجها. لقد صار أسطورة ومحظورا، وهو ما يحمل في لغة السياسة نفس المعنىإليك أيها القارئ إذن هذه القصة الراهنة والأخاذة، آملة أن تجد من المتعة عند قراءتها قدر ما وجدته ، في نهاية المطاف ورغم كل شيء، عند كتابتهازكية داود إحالات
(0) قائد من بلاد الغال (72-46 ق م) تزعم ثورة القبائل الغالية (1) هذا الكتاب سيرة ذاتية – وقد تبدو هذه السيرة ذات ملمح روائي بكم ما نسبته الى عبد الكريم،في بعض مواضعها،من مشاعر أحسست انها يمكن أن تكون مشاعره،استنادا الى كتاباته وردود فعله. غير أن كل أقواله وأفعاله حقيقية لم يطلها أي تخييل(2) " الأممية الثانية والشرق" تحت إشراف جورج هوب ومادلين ربيريوكس، منشورات كوجا، باريس 1967(3) روبير مونطانيْ، " السياسة الخارجية" عدد يوليوز1947، السنة الثانية عشر،ص301-325. اما بيير دوما فيصف عبد الكريم بنابليون الريفي. راجع كتابه" عبد الكريم" منشورات بون بلزير، تولوز، 1927(4) رمز الذهب والدم الى خسائر الحرب العالمية الأولى، قبل أن يعاد توظيفهما إبان الحروب الاستعمارية. كما سيصاغ منهما شعار الحملة ضد حرب الريف(5) زار فنسنت شين، الصحافي بـ"شيكاغو تربيون"، الريف سنة 1924، وكتب بعد ذلك " مغامرات في الريف( Adventures Amog the Riff)، الذي نشر بلندن سنة1926 بدار
G Allen and Unwin Ltdla source : al khattabi abdelhakim tuya_hado@yahoo.fr

Aucun commentaire: