بقلم ** * أمازيغ ن جادو/ ليبا
1-
مقدمة
لطالما كانت قضية الإعتراف بالوجود الامازيغي داخل إطار الدولة الليبية أمراً يغلب عليه مبدأ التجاهل و السكوت و التعتيم من قبل كل القوى السياسية الليبية سواء في داخل أو خارج القطر الليبي .لكن واجبنا المقدس تجاه وطننا يحبرنا الخروج من ساحة الصمت المدقع الذي وضعنا انفسنا فيه , بدواعٍ ذاتية أحياناً نتيجة تقصير داخلي , أو عسف نظام الدولة و أطروحات التيار العروبي من جانب آخر . إن الحديث عن القضية الأمازيغية يستوجب الدقة من أجل توضيح معالمها دون تزوير , لتبيان معطياتها و نواياها و أبعادها , بعيداً عن الاتهامات اللا منطقية بالإنفصالية و العمالة . فوعي الرأي العام بالمسألة الأمازيغية ضئيل جداً , إن لم تكن منعدمة في الأساس , لان إدراكنا لحاضرنا لم يستقر في وضعه الطبيعي لاننا و ببساطة نجهل تاريخنا , فتتحاشى الذاكرة الجماعية النبش و البحث في التاريخ , خوفاً من حقائق و ثوابت تلغي مترسخات في العقل الجماعي الليبي , التي تتمثل في عروبة الوطن الليبي , هذه العروبة التي ارتدت أزياء فضفاضة لا تلائم التركيبة الحقيقية للوطن الليبي , والتي فرضت بسيطرة المد القومي الناصري الذي اتى كنتيجة للفراغ الفكري الذي كانت تعانيه المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية , كما ان هذه الفكرة كانت مقبولة لدى الوعي الجماهيري بسبب الفكر الإسلامي الذي رسخ فكرة – عروبة الدين, و من ثم عروبة الوطن و المواطن , هذا الفكر الذي أتى منحرفاً عن هدفه الحقيقي , فكان إسلام الدولة الإقطاعية – إسلام يزيد بن معاوية – المحمل بالفكر الشعوبي القومي , الذي ينافي روح الإسلام .فكان الخطاب السياسي لما يزيد عن الألف و الأربع مائة عام بعيد القدوم العربي الى شمال إفريقيا , مدسوساً و ملغماً بكم من الأفكار تناقض الحقيقة التاريخية و الجغرافية و الثقافية للأمة الأمازيغية. حتى أن تسمية المواطن الليبي في وثائق الدولة و سجلات التاريخ العربي كانت بتسمية قدحية بلفظ – البربر - , لغرض الغاء كل صفة أو ميزة إيجابية عند الحديث عن هذا الشعب , رغم كون العرب انفسهم يوصفون في كتب التاريخ الإمازيغية بإسم – ibyaten - , بمعنى الضيوف . يقول أحد حكماء القرن التاسع عشر " بقدر ما تريد أي امة ان تكتشف مستقبلها , بقدر ما يجب عليها أن تعمق الحفر في ماضيها " , ألم يحن الوقت لكي تستجمع الأمة أنفاسها , و تتعرف على مكوناتها الحقيقية بدراسة واقعية و حقيقية بدون مجاملات لدعم أي توجه أيديولوجي أو سياسي , أو بإطروحة إقصائية كانت أو شمولية كما كان الحال أبان الوجود القومي الناصري , بعيداً عن آراء المتزلفين .خمسون عاماً أو يزيد قليلاً من حياة مليئة بسلسلة من التجارب , أخرج فيها الليبييون أنفسهم من التاريخ , بعد أن كانوا نواة فيه , أخرجوا أنفسهم عنوة في خضم محاولات تجارب السليم و الخاطئ , هذه المحاولات – أو التجارب المعملية – إذا صح القول, كانت ولا تزال تأتي دائماً بتكلفة باهظة الثمن , فالى عقلية القطيع المترسخة في عقلية المواطن الليبي العامي قبل الخاص , مروراً بسيكيولوجية الإعتقاد بالأفضلية , يبقى المجتمع الليبي مجتمعاً – مستورداً – للفكر , في حالة من عدم القبول بالمزج بين مكوناته الأصيلة , و عدم قبول الآخر بطريقة تكاد تكون – لا منهجية - تعبر عن غوغائية مستوردي الفكر , و ضحالة فكرهم في الأساس , أثبتت للأسف أنه لا علاقة لليبيين اليوم – كنتيجة – بالأرض الليبية . - 2
-الذات الليبية والهوية الوطنية الليبية الخاصة – الإنتماء للدولة القطرية - :
الثقافة الشعبية الليبية، النسج الحضاري الليبي ، مزيج الحضارات الأمازيغية – العربية – الإسلامية ، هذه هي مكونات الذات الليبية التي نرى إن المجتمع الليبي اليوم في أشد الحاجة إلى إعادة فهم تاريخه وتكويناته التركيبية المختلفة، من أجل رسم صورة واضحة لهويته الذاتية ، التي اختزلت في هوية قومية، قبلية ، عقائدية في بعض الأحيان، تقابل ما يعرف بالأصولية الأمازيغية التي تتهم بأن لها ميولاً انفصاليةً لمواجهة سيل الدفع القومي العربي الوافد من خارج القطر الليبي . هذا الغير عربي الذي يعتبر جزأً من الكينونة التركيبية للذات الليبية كما هو الحال للذات الجزائرية و المغربية، حيث يتجلى الوجود الأمازيغي للذات الأمازيغية في الهوية الوطنية بوضوح ، هذا الغير عربي ينتمي وفق التقسيم المناطقي لمناطق (الوطن العربي)، إلى رقعة جغرافية تعرف اصطلاحاً بـ (المغرب العربي)، وهذا التقسيم يقف عائقاً أمام وضع تعريف للذات الليبية بجلاءٍ ووضوح ، فالفكر السياسي الذي أنتجه يحوي في تعريفه هذا أخطاءً ، جغرافية ، ثقافية ، لغوية ، إنسانية ، وجودية فهو يطمس أي اعتراف بوجود طائفة أو عرقية أو لسان غير عربي في المنطقة التي يحويها، هذا يعني أن الأمازيغ , الكريكلية , الزنوج و الكرغلية في ليبيا، إما ليسوا من سكان (المغرب العربي) ، أو أن هذا المغرب ليس عربياً، فهذا التعريف يقف حاجزاً آخر أمام تعريف الذات الليبية، بعيداً عن البعد العربي المختزل لها. إن الأسماء المكانية للأعلام الجغرافية ، تتغير ولا تثبت على مر العصور ، فلم يسبق أن خلد اسم مكان تاريخي أو اسم تقسيم جغرافي سياسي، إلا في ذاكرة كتب التاريخ ، وهذا بالتأكيد ما سيحصل لمسمى (المغرب العربي) ، فلا أعتقد أن همنا هو إزالة التسمية، بقدر ما يهمنا هو وضع تعريف يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيخلفه زوالها، وهذا التعريف لا يمكن أن يكون أصلح منه تعريف الأنا الليبية لذاتها ، كذات هوياتية، منفصلة، تحوي داخلها نسيجها الحضاري الخاص.فلقد كانت منطقة شمال إفريقيا تعرف باسم ، ليبيا ، و بلاد المسيلة ، و إفريقيا، و بلاد البربر ، و الغرب الإسلامي ، والمغرب الكبير ، قبل أن يمتد المد القومي العربي الناصري إلى شمال إفريقيا، المد ذو الفكر الإقصائي، الذي يبقى فكره محبوساً في إطار ضيق ، فلا نجد مثل هذه التسمية في الفكر الحديث الغربي ، أو على الصعيد الدولي، الذي يهمل أي مفاهيم جغرافية موضوعية ، ويبقي اعترافه فقط بالدولة القطرية. هذه الدولة القطرية )ليبيا ) التي تمثل هوية المواطن داخلها المواطن الليبي، هذه الهوية التي طمست داخل أحلام العروبيين النرجسية ، والرؤيا الأسطورية لتمجيد الأنا –العربية-، هذه الرؤيا التي مرت عبر أبعاد لا ورائية دينية إلى تفكير المواطن الليبي الذي يجب أن يؤمن حسب ثوابت غير قابلة للنقاش، لان لها بعداً جهنمياً ، و آخر نعيمياً ، بأن العربية هي لغة أهل الجنة ، قبل أن يطرد منها آدم ، وبعد أن يعود لها الإنسان بعد الحشر، وأن الله اصطفي العرب ليكون منهم آدم ، محمد، و إبراهيم ، وأن المنتمي لهوية الدولة القطرية ، ينتمي قبل هذا الانتماء إلى هوية سماوية ، عربية ، تلغي إنتمائه الأصغر – انتمائه القطري- ، بانتماء قومي جماعي. إن تهميش الوجود الأمازيغي في التركيبة الليبية، أمر يجب وضع حداً له، فبعيداً عن اتهامات الإنفصالية والعمالة للصهيونية والإمبريالية، يجب أن يوضع حد لهذا التهميش، والتزوير المقصود – والغير مقصود -، لمسألة تعريف الأمازيغية لذاتها، جغرافياً، لغوياً، تاريخياً، فأهل مكة أدرى بشعابها، فحتى ما روي من الأشعار العربية القديمة التي تسرد نسب الأمازيغ بإلحافهم بالقبائل العربية، لم يكن مبنياً البتة على معرفة صحيحة، بل كان مبنياً على رغبات سياسية ، لدى العرب والأمازيغ سويةً ، وليس المسال القومي العربي الذي خلقه الإنجليز –بجامعتهم العربية - ، ليس إلا طابوراً خامساً لخدمة هوية غربية، بيد داخلية، لكي تطعن الأنا ذاتها مرة ومرتين وثلاث
.- 3 -
من هم الليبيون ,عن تصويب المرجعية التاريخية
هنا نسأل في الأساس من هم الليبييون ؟ , نجد الأجاية الحقيقية التي تخبرنا انهم النوميديون،المور، البربر ، الشعب الأمازيغي ، المفعول به دائماً ، المنسي في كتب التاريخ ، فحتى في مؤسسات التعليم الإبتدائي والإعدادي في النظام التعليمي الليبي، حيث يعامل الليبيون معاملة الوافد من الشرق، فيوصفون بوصف كاريكاتوري،بوصفهم سكان ليبيا الأصليين أحياناً، وأحايين كثيرة أخرى، يوصفون بأنهم قبائل وافدة إلى أرض –فارغة-، إما انقرض سكانها، أو أن سكانها الأصليون أيضاً وافدون. عند تدوين السيرة الذاتية للشعب الليبي ، نجد أن أسماء مثل يوغرتن وماسينيسا وهادربال ويوبا والقديس ؤغوستين وكسيلا، تسقط بالسهو أو بالنسيان من كتيبات التجميع التاريخي، وتحصر إجابة السؤال الأول، سؤال من هم هؤلاء السكان الأصليين، بسؤال مضاد كما هي العادة الليبية، حيث يتم الإجابة على كل سؤال بسؤال، هذا السؤال هو، ما هو أصل هؤلاء السكان الأصليين ؟، وكأن الإجابة موجودة عند الحديث عن الصينيين والهنود الحمر والعرب والجرمان، هذا السؤال الذي انقاد إلى البحث على إجابته عدد ليس بالقليل من العاملين في مجال البحث التاريخي، بغباء. هذا المجتمع الأصيل الذي لطالما كان مخدوعاً بقوة وحضارة الوافد الذي ما يلبث أن يكتشف أنه ليس سوى غاز طامع ، فينقلب عليه بعد أن كان من جنوده ، فكما وطد ماسينيسا علاقاته مع الرومان وكان يوغرتن من جنود روما المخلصين، فانقلب الأمازيغ على الرومان، وقبلها وبعدها على الفينيقيين , البيزنطيين , الأمويين و الفرنسيين، الذين أتو بنظريات تسرد كون الأمازيغ روماناً أحياناً وجرماناً أحايين أخرى وأتراكاً و فرنسيين و عرباً، فكانت علاقة الأمازيغ مع الغرب كما هي علاقتهم مع الشرق، علاقة غير واضحة، تحوي شكاً وانبهاراً، صداقة وعداوة.بقرار سياسي، دائماً، كان الوجود الأمازيغي في الدولة الليبية، مهمشاً، ملغياً، غائباً ومغيباً، لكن هذا الوجود ظل حياً بفضل اللغة الأمازيغية، الثقافة الأمازيغية، العادات الأمازيغية، وهذا الوجود يقابل وجوداً لعرقية توضع في موضع المقابل والنظير، عرقية ذات صفات سماوية، تطرح في وسائل التعليم الليبية، تدفع للإنتماء لها دفعاً، لأنها تحوي داخلها، أمة لا إله إلا الله، أمة محمد رسول الله، فلا شيء في كتب التاريخ يعرف بعظماء الشأن الأمازيغي،ًهذا الشان الذي اخرج أول قصة مؤلفة في تاريخ البشرية، قصة الحمار الذهبي للوكيوس أبوليوس، مما يدفع الذات الليبية إلى احتقار ذاتها والبحث عن انتماء لجزء الهوية العربي فقط ملغياً دائماً وأبداً ليبيته. ألا يجب نفض الغبار ، وإزالة اللثام على المرحلة التاريخية التي تمثل الوجود الليبي، قبل الوفود الشرقي، بحياد تام، دون العمل من أجل توجيه هذا العمل للدعاية لعرقية أو أيديولوجية سياسية ، فكما يقول الأستاذ محمد شفيق في كتاباته" يعتبر المكتوب غير ذي أهمية كبرى وسط الإنتاج الثقافي بمفهومه الشامل، وعلينا عدم تقديس المكتوب وعدم اعتباره جوهر الثقافة " ، وهذا أمر سليم نسبياً، لكن الأمة الأمازيغية –كما يقول الأستاذ محمد شفيق– أمة لا تملك ذاكرة خاصة، حيث لم يكتبوا تاريخهم، و لم يدونوه ، نعم لم يدونوه اللهم على رمل الصحراء، أو بمداد من هواء، في رياح الصيف، في ذاكرة السماء. – كما يقول المرحوم سعيد المحروق . من الغباء الشديد، البحث عن وطن أصلي للأمازيغ، أو طرح المسألة للجدل والنقاش، فأي وطن أصلي يبحث عنه لشعب سكن منطقة جغرافية لمدة تزيد عن المائة قرن، ألا تكفي هذه القرون على امتدادها لتخلق وطناً اصلياً، أمر غريب، فلقد ظل الأمازيغي محافظاً على ذاته وعلى لغته وثقافته وعاداته وموروثه الاجتماعي رغم كونه تحول من فينيقي، إلى روماني، إلى عربي، وحافظ على لسانه ، الناطق بحرف الزاي ولم ينقرض.هنالك عدد كبير من الألقاب العائلية الليبية، والأسماء المكانية الليبية، التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال تفسيرها وترجمتها إلا بالقاموس الأمازيغي المنطوق في ليبيا اليوم، لا يمكن تفسيرها إلا بدراسة للموروث التاريخي الليبي ولا أقول الأمازيغي، هذا التاريخ الذي حبسه المنظور القومي العربي، الإحتوائي الذي طمس الهوية الليبية الحقيقة داخل أحلامه النرجسية، داخل نظريات تسرد –سفر العرب الأمازيغ-، وتجعل من الأنا الليبية مختزلة في بعدها العرقي العربي فقط فلماذا لا يكون عنوان كتاب خشيم –سفر الليبيين الأمازيغ-. هذا التاريخ الذي لا يسرد في كتب المنهج الدراسي في القطر الليبي البتة ، فنجد أن مناهج التعليم الليبي تقتصر في سردها على سرد الأحداث بأبعاد توسعية احياناً ، والحديث عنها بتخصيص عرقي عربي أحايين كثيرة أخرى، فيتم الحديث فقط عن مرحلة (الفتح) الإسلامي وما بعدها، كأحداث الغزوات الصليبية التي كانت تمثل خطراً يواجه الوجود العربي الذي يربط بالوجود الإسلامي دائماً ، وما يليه من أحداث تسرد على أساس كونها مسألة نظير وطني عربي قبالة نظير غربي مستعمر ، فلا تطرح ليبية ليبيا أبداً في الكتب المنهجية الدراسية، ولا يشار إلى الوجود الليبي في شمال إفريقيا قبل (الفتح) الإسلامي.
- 4 -
اللغات الليبية , وجودها من عدمه , الثنائية اللغوية في المجتمع المدني :
إن طرح هذا المسأل يجب أن يتم بعيداً عن الحماس المشاعري ، أو التحامل السيسيوقراطي الزائف، فكل حركة اجتماعية كانت أو سياسية أو ثقافية المتجه ، تسعى من خلال السرد النضالي إلى التواجد وسط كينونة المجتمع المدني ، فعند النظر إلى المفهوم الكيميائي للمادة علمياً، نرى أن تعريفها المبسط يقول أنها كل ما يشغل حيزاً من الفراغ وله كتلة، أي أن هذه الحركة الثقافية تريد في سعيها الوجودي، لان تشغل حيزا من فراغ في هذا المجتمع المدني، أي أن تمثل مادة يمكن أن تكون لها ملامح واضحة، وملامح الحركة الثقافية الأمازيغية كما هو حال الحركة السياسية لم تزل غير واضحةًً، هذه الحركة التي يجب أن تستمد مبادئها من قيم الحداثة، كقيم النسبية والعقلانية والديمقراطية وقبول الآخر المختلف، فنرى أن ملامح هذه الحركات تبدوا جليةً فقط في بعدها اللغوي.هنا نسأل عن مسأل قبول البعد اللغوي ، والثنائية اللغوية في المجتمع الليبي ، فعقدة اللغة تبدو جلية عند الجانب العربي والمستعرب (الغير ناطق)، و هي عقدة تسعى لتكوين هوية خيالية، ضمن منطق دائري ، يدور حول فلك لغوي ، فمن تكلم العربية هو عربي ، وبناء على ذلك، من تكلم الأمازيغية فهو أمازيغي، ويبقى السؤال أين يأتي تعريف الانتماء الهوياتي للمجتمع المدني – الليبي – حينها ؟، فنحن كليبيين ككل ندور في حلقة مفرغة، غير واضحة المعالم، حيث تسيطر عقدة اللغة في المجتمع الليبي ، وتجعل مسألة – تعدد اللغات – في المجتمع الواحد مسألة غير مقبولة البتة، اللهم إلا في كتب السيسيولسانيات.هنا نسأل عن اللغات الموجودة في القطر الليبي، دون الخوض في اللغات المندثرة، التي إما انقرض ناطقيها، أو تلك التي انقرضت بسبب كره الذات واليأس ، و هو ما نخشى أن تكون الأمازيغية في طريقها إليه , فمسألة الأحادية اللغوية مسألة تفرض ذاتها بقوة، فاللغة العربية لا تعترف بالآخر الموجود كنظير لغوي، لأن عقدة اللغة لدى المواطن الليبي متجدرة في العقلية الليبية، بسبب عدم قبول مسالة الثنائية اللغوية في المجتمع المدني الليبي، ولأن الخوف يأتي من الأمازيغية السياسية الكامنة وراء الأمازيغية الثقافية.إن التعدد اللغوي داخل النطاق الجغرافي الذي يحوي الدولة الليبية اليوم، لا يتعدى ثنائية العربية والأمازيغية ، ونرى أن النظر للمسأل الثنائي ينظر للمسأل بمنظور مقابل أو - نظير ولا ينظر له بمنظور بموازاة أو بجوار ، فنرى تجلي رؤيا الذات الليبية لدى المواطن الليبي، لا يتم من خلال بعده الهوياتي الوطني الثقافي والسياسي واللغوي وحتى الإقتصادي مجتمعاً بل يتم من خلال البعد اللغوي فقط , – الهوية اللغوية .إن الدولة الوطنية الليبية) ليبيا ) عربت ذاتها بذاتها ، لأن سياسة التابع والمتبوع تجلت وبقوة واستحوذت على طاقة تفكير الأنا الأمازيغية , ربما لأن الأمازيغية فشلت سياسياً فتحولت إلى لهجة فقط. الخاتمةإن الطرح الأمازيغي ليس طرحاً يقصي الآخر بمفهوم شوفيني , بل لطالما كان مقبولاً لدى العاملين في الإطار الامازيغي سؤال وجود الأنا و الآخر . ففي حالتنا الليبية كان الآخر متواجداً دائماً ، محرضاً دائماً ، و متخذاً صوراً متعددة بدأت بألوان رمادية وانتهت إلى ألوان رمادية أيضاً , بأشكال مختلفة , فكان الآخر اللغوي , الأخر الجغرافي ، و قد اتخذت العلاقة مع الآخر أشكالاً مختلفة و متعددة ، حيث لم يكن له ذات الصورة و ذات التصور دائماً ، بل ارتبطت صورته بتغير الأوضاع الحضارية و التاريخية "للأنا" ، بمعنى أن صورة الآخر و العلاقة معه كانت تتأثر سلباً أو إيجابا ً، رفضاً أو قبولاً ، تسامحاً أو شدة ، بتطور "الأنا" التاريخية والحضارية، قوة أو ضعفاً ، نصراً أو هزيمة ، و أعتقد أن هذا "قانون" نستطيع به أن نحدد شكل العلاقة مع "الآخر" على المستويات جميعاً , فكانت العلاقة مع الآخر " الذي قد يكون أنا بذات اللسان أو بلسان آخر " , علاقة متوقفة على مطبات تواجه الأنا في تعريف ذاتها , فكان الجدل و الحوار حول نشاط أنا أخرى و وجودها و إتهامات الانا للأنا كونها آخر مستعرب , فعرّفت دائماً كآخر لا تحويه الأنا , كان هذا الجدل مطباً آخر يقف أمام تعريف الأنا لنفسها و إحتوائها للآخرين جميعاً داخلها , فتقلص حجمها الحقيقي عبر صورة الآخر اللغوي.هنا يقتضي منا وصف العلاقة مع الآخر ، في سياق الثقافة الليبية ، أن نبدأ بالعصر العروبي الذي امتد لمدة تزيد عن الألف عام , حيث كان "الآخر" هو الأقوى و الأعلم و الاحكم ، وكانت العلاقة معه تتصف بالتبعية و الإختفاء دائماً .فلنحدد الآن المعاني والتعريفات "للأنا" الفردية و "الآخر" ، - بعيداً عن حقائق التاريخ الذي يوضح لنا هذه العلاقة و يبين معالمها و حدودها بسهولة - , فقد منحت الثقافة الذات االليبية معنى مختلفاً ظل يمتلك التأثير القوي والهائل حتى لحظتنا هذه ، إذ تخلّقت "أنا" قوية و عريضة و غنية ، فيجب أن تكون الثقافة و التاريخ هي المرجع الأول في تحديد معنى "الأنا" و معنى "الآخر" لا اللغة , فتحديد "الآخر" بالعربي يجب ان يختفى لانه بني وفق تعريفات – لغوية - ، حيث اكتسب هذا المفهوم "ظلالاً رمادية " منذ اللحظة التي انفتحت بها الثقافة الأمازيغية على الثقافة الإسلامية التي إحتوت داخلها ثقافة "الآخر" العربي ، و الآخر الداخلي ، و الآخر الثقافي .ما واجهته الثقافة الليبية بعلاقتها مع هذا "الآخر" تلخص في الآخر الداخلي أو الآخر القريب ، الذي يعمل ضمن فضاء تلك الثقافة ، ولكنه يعمل من أجل تثبيت صوته الخاص أو رؤيته الخاصة ، فكان العرب و المستعربون و المستغربون أيضاً , و كان الآخرون جميعاً .و من هنا يجب ان تكون هنالك مرجعية التعارف على علاقة الأنا و الآخر , يجب أن تكون هذه المرجعية راسخةً على ثوابت تعريف هذه - الأنا - و هذا - الآخر - , هذه المرجعية التي يجب أن يكون مصدرها هو السرد التاريخي الحقيقي للوطن الليبي , بعيداً عن سرديات التحريف و التزوير , هذا التعريف الذي سيفتح نافذة – للأنا – لكي ترى ذاتها بوضوح .فحواجز التعريف الحقيقي للهوية الليبية المتمثلة في - الهوية اللغوية - , و ثقافة - تحقير الذات - , كلها يمكن تجاوزها بوضع تعريف حقيقي بدراسة متأنية و حقيقية للتاريخ الليبي , لتعريف الأنا الحقيقية , و الآخر الحقيقي.
نقلا عن موقع الحوار المتدن
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire