إن المتفقد لحال الحركة الامازيغية لا محالة سيلاحظ الفتور الذي أصابها فكرا وممارسة، وواقع الحال يكشف عجز مناضلي ونشطاء الحركة من مواكبة تطورات الحقل السياسي سواء وطنيا أو دوليا، هذا دون أن يفوتنا ذكر بعض الجهود الحثيثة التي تبدلها بعض المنظمات التي ما تزال تناضل وتواجه المخططات الرسمية التمييزية والإقصائية التي تحاك ضدا على الإرادة والمصلحة الشعبية، كما الشأن في كافة السياسات الرسمية التي تصاغ
ومن هذا المنطلق أصبح من الضرورة التوقف ولو لوهلة قصيرة لتفحص وتقييم أداء منظماتنا، المحلية والدولية، قصد كشف مكامن الخلل وتبيان نقط الضعف، بنظرة الناقد والعضو الفاعل، مع العلم أن النقد من الداخل أمر صعب إذ يحضره الشق الذاتي على حساب الشق الموضوعي مهما حاول الفرد أن يتجرد من ذلك، إذن فالنقد ليس تحاملا أو تجنيا بقدر ما هو تأمل في راهن الحركة واستشراف لمستقبلها على ضوء تشخيص واقعها، وتسليط الضوء على المؤتمر العالمي الأمازيغي كمنظمة جماهيرية ديمقراطية تناضل على الواجهة الدولية للنهوض والدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية لعموم الأمازيغ بشمال إفريقيا بالمغرب والجزائر خاصة بحكم تواجد ساكنة أمازيغية عريضة بهما
إن اعتماد الديمقراطية كمنهج وممارسة وسلوك للتسيير والتدبير، يوجب القبول بالنقد البناء الذي يفرض نفسه كضرورة ملازمة ومواكبة لكل عمل جدي ومنفتح، وكأداة وآلية لضمان التقدم والتطور وتنقيح التجربة وحفظها من الانزلاق أو الانحراف عن الخط الديمقراطي وعن أهدافها ورسالتها النبيلة التي وجدت من اجلها، من هذا المنظور وجب علينا أن نعمل على التنبيه وتقويم سلوكاتنا وممارستنا، بعد تقييم نغيب فيه كذوات ومواقف تخص إطارات وتوجهات بعينها ونحضره مفعمين بالأمل في مستقبل تسوده الديمقراطية ومسلحين بالموضوعية والرغبة في التطور، دافعنا الأساس الغيرة والحرقة النضاليتين، والتي بدت تخفت لدى العديدين ممن بدؤوا يتسلون بالكراسي الوتيرة أو يلهتون وراءها، وصاروا يسوقون للكساد والإفلاس الفكريين لتبرير ممارسات وسلوكات غير سليمة تفضح النزوعات الانتهازية والوصولية التي بدأت تتفشى وبشكل خطير بين مناضلي الحركة الأمازيغية، حيث أصبحت الحركة الامازيغية لقمة صائغة ومتيسرة لكل من يبحث عن حشد الجموع وتجييشها لأغراض لم تعد تخفى على أحد إلا من كانت له أهداف أخرى ليست بالضرورة هي أهداف الحركة، والكونكريس العالمي الأمازيغي بتجربته الحالية وما يشوبها من تجاوزات واختلالات يعكس صورة صارخة ومريرة لواقع الحركة الامازيغية، وخصه بالدراسة في هذا المقال ينبع من الرغبة والغيرة على هذه الصرح الدولي وإسهام شخصي في إطار التفكير الجماعي لإعادة الاعتبار له وتعزيز دعائمه ليصبح قادرا على لعب دوره الأساسي في النضال الأمازيغي، إذ الحركة أصبحت اليوم أكثر حاجة إلى هيئة دولية فعالة قادرة على رسملة التجارب والنضالات الامازيغية المختلفة في كل بلاد تامازغا
إن الوقوف عند تجربة الكونكريس العالمي الأمازيغي، بعد مرور أكثر من عقد على تأسيسه، ينطلق من المكانة الرمزية التي يتبوؤها والتقدير الخاص الذي نكنه له، إلا أن واقع حاله يشعرنا بالخيبة والحسرة على هذا المآل الذي قدر له أن يصل إليه بفعل تأثير عدة عوامل داخلية/ذاتية وخارجية/موضوعية، مما يستحث فينا نقاشات ويطرح علينا تساؤلات عدة حول واقع ومستقبل هذه المنظمة الدولية، خاصة بعد ما راكمه من الإخفاقات المتتالية في تدبير عدة ملفات، إلى جانب التعثر التنظيمي الذي شكل على طول الفترة الممتدة من تأسيسه إلى الآن سمة مميزة وملازمة له، وبالتالي يصبح فشله أمرا بديهيا، ومن تجليات ذلك
:
غياب إستراتيجية واضحة للفعل والعمل لدى الكونكريس العالمي الأمازيغي، مما يكشف تخلفه عن المستجدات التي بات يشهدها المجال الجمعوي، إذ لحدود الساعة يفتقد الكونكريس إلى خطة عمل وبرنامج عمل واضح، يحدد الأهداف الإستراتيجية وكذا رؤية واضحة تتحدد على ضوئها مهمة الكونكريس، مما يمكن من وضع خطة عملية للتتبع و التقييم تستند إلى مؤشرات علمية ودقيقة ستسمح لا محالة للتعرف وقياس درجة تحقق الأهداف المسطرة للمنظمة
عجزه على الامتداد التنظيمي وكسب التفاف المنظمات والجمعيات الأمازيغية النشطة بتامازغا والمهجر، بما يتناسب مع حجمه ومكانته ورمزيته كأكبر منظمة عالمية أمازيغية، أو كما كان مفترضا فيه أن يكون، مما يحجم من قدراته التنظيمية ويصير بذلك ارتباطه بالقاعدة المفترض أن تشكل سنده شكليا وموسميا يتجدد مع قرب كل محطة
ضعف روح المبادرة والقوة الاقتراحية لمختلف الأجهزة التي يتشكل منها الكونكريس طيلة الفترة الممتدة بين المؤتمرين، إذ سجل غيابه المتواصل في مواكبة المستجدات، وأن يتحول إلى محاور أساسي على المستوى الدولي للتعريف بالقضية الامازيغية في المحافل الدولية، إلا في محطات قليلة تعد على رؤوس الأصابع، وكلها كانت بفعل الدينامية فوق العادية والنضالية والقتالية التي يتحرك بها رئيسه لونيس بلقاسم، هذه الحركية هي ما يغطي و لو نسبيا على الجمود التنظيمي لباقي الأجهزة وغيابهم، مما يثير العديد من الأسئلة عن جدوى الشكل التنظيمي الحالي للكونكريس، ويدفع إلى البحث عن بدائل تنظيمية قادرة على التمثيل الجيد
الارتجالية وضبابية الرؤية السياسية لدى المفوض إليهم تدبير شأن هذه المنظمة ويتجلى ذلك في فشل التقديرات السياسية في عدة محطات، ونورد هنا مثالا صارخا على ذلك، التقارب بين الكونكريس والنظام الليبي والذي توج بعدة لقاءات وزيارات خاصة لم تكن ناجحة بالنظر إلى ما آل إليه الوضع بعد تصريحات للقذافي في خطابه الرسمي المتلفز بتاريخ فاتح مارس2007 والذي لم يتوانى فيه من كيل كل أصناف السب والشتم والتهديد في حق شعوب المنطقة المغاربية وخاصة الشعب الأمازيغي، ومن خلال هذا النموذج نلتمس أن تتوضح مستقبلا الرؤية والتصور السياسي لدى المنظمة ولدى عموم المناضلين بغية تبين حقيقة السياسات الرسمية لمختلف الأنظمة القائمة بشمال إفريقيا
إجمالا يتضح جليا أن واقع الممارسة توضح وبجلاء ضعف الكونكريس وأجهزته في القراءة والتقدير السياسيين للمرحلة وللمخططات التي تحاك ضدا على مطالب الأمازيغ في عموم أراضي تامازغا من جهة، واستمرار كل الأنظمة، دون استثناء، في نهجها الإقصائي تجاه الأمازيغية وزيف الشعارات التي يتم التسويق لها في كل فرصة وحين، وضعف الكونكريس هذا ما يتم استغلاله بطبيعة الحال حينا لتلميع صورها للتغطية على ممارساتهم التي تسعى إلى ضرب الثقافة والحضارة الأمازيغية من العمق، فلنتذكر محطات كان فيها الكونكريس أداة لتمرير مواقف سياسية بعينها ولم يجرؤ على اتخاذ مواقف صريحة تجاه السياسيات الرسمية لبعض البلدان تجاه الأمازيغية وهو ما نبهت إليه العديد من المنظمات الأمازيغية الديمقراطية، ولم يستطع الكونكريس من الاستفادة من الاهتمام الدولي بقضيتهم خاصة بعد صدور العديد من التوصيات من لدن هيئات حقوقية دولية وازنة مثل التوصيات الصادرة بتاريخ 19 ماي 2006 عن اللجنة الأممية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدولة بضرورة ترسيم اللغة الامازيغية إلى جانب اللغة العربية في الدستور وكذا بخصوص تدريس اللغة الامازيغية وتمكين الأمازيغ من المشاركة في الحياة الثقافية في وطنهم
بناء على ما سبق رصده وسرده في إطار التشخيص السريع لحال الكونكريس العالمي الأمازيغي، يتبين آن الكونكريس ما يزال يتوفر على فرص كبيرة ليستعيد مكانته ويتبوأ مكانته الطبيعة، إلا أن ذلك يستوجب من كل الفعاليات الامازيغية الديمقراطية المستقلة أن تأخذ الأمور بنوع من الجدية وتتحلى بمزيد من الجرأة الكفيلة بالتجرد أثناء تقييم التجربة، لعدة اعتبارات منها
:
أن مأسسة النضال تحت أي شكل كان عمل جد متقدم سواء على المستوى الوطني أو الدولي وإضافة إلى هذا الزخم من الإطارات الفاعلة في الحركة الامازيغية ، إلا انه لابد من التشديد على أهمية العمل المشترك ، بناء على أرضيات محددة وواضحة . غير أن الملاحظ أن عمل المنضمات ، لا الدولية ولا الوطنية ، العاملة في مجال القضية الامازيغية قد اتخذ أبعادا أساءت كثيرا للقضية الامازيغية بدل أن تعمل على بلوغ أهدافها
تجربة الكونكريس العالمي الأمازيغي تبقى وحيدة ورائدة لحدود الساعة لغياب مبادرات أخرى، إلا أن رغم أهميتها فقد شيئ لها أن تجهض وان تفرغ من محتواها ، لتصبح إطارا فارغا مخصيا وغير قادر على الفعل وإنضاج شروط صحية للعمل على المستوى الدولي ، وهو ما ساهم بشكل كبير في تغييبه إلا مناسباتيا في معظم نضالات الحركة الامازيغية بعموم بلاد شمال إفريقيا
فشل باقي التجارب اليمينية، خاصة مبادرة أوزين احرضان في الكونكريس في نسخه الأولى التي اتسمت بتعامله الانتهازي السياسوي المقيت، المآل الطبيعي والحتمي لرابطته العالمية من اجل تامازغا، فهي ستعمل على تشتيت المشتت أصلا، ومن هنا أنبه عموم مناضلينا الديمقراطيين من اجل التوحد والتصدي لكل الممارسات الانتهازية والعمل على مأسسة حقيقية وفعلية لنضال أمازيغي جذري، قادر على التأسيس لتصور شامل لوحدة شعوب شمال إفريقيا، تقر بطبيعة الحال بكل الاختلافات وتتأسس على مبدأ المساواة ووحدة المصير السياسي والاقتصادي والثقافي لعموم ساكنة تامازغا
إن الموقف من الأنظمة التواليتارية المطبقة والجاثمة على أنفاس شعوب شمال إفريقيا لعقود من الزمن وبدون استثناء، وهو ما عبرنا عنه في عدة مناسبات سابقة، استمد من تحليل سياسي للتوجهات وللسياسات الرسمية اللاوطنية المتعاقبة لهذه الأنظمة وفي كافة المستويات، وموقفنا انبنى بشكل أساسي على طبيعة هذه الأنظمة الرافضة للتغيير والمعادية للديمقراطية والمكرسة للحكم الفردي وبأبشع تجلياته، فلا مؤسسات تشريعية وتنفيذية حقيقية ولا قضاء مستقل ونزيه, ولا احترام للمواثيق الدولية...وهلم جرا ومنه يتأسس رفض واستهجان تعامل الكونكريس العالمي الأمازيغي مع هذا النوع من القادة والأنظمة، والذين حولوا بلدان المنطقة إلى ضيعات وملك خاص يسيرونه حسب مشيئة أهوائهم ودون استشارة أو احترام لإرادة شعوبهم، وإضافة إلى ملامستنا من خلال المعايشة اليومية لنهجها الإقصائي الساعي إلى إقبار وطمس الهوية الأمازيغية للمنطقة عبر إقرارها لسياسات عنصرية عملت على إقصاء الأمازيغية في كل مناحي الحياة العامة( الإدارة، القضاء، التعليم، الإعلام
نتمنى أن يكون الموعد المقبل لعقد للكونكريس العالمي الأمازيغي فرصة ومحطة تاريخية للتقييم الفعلي والموضوعي لعمله ورسالته، وان نكون قد استخلصنا الدروس والعبر مما حدث بناء على الأوضاع المزرية التي تعيشها اللغة والثقافة الامازيغيتين من جهة والحالة المتدهورة لمختلف مكونات النسيج المدني الأمازيغي، أن يكون درسا بليغا لمن لا يكلف نفسه عناء التفكير والتحليل والإنصات الجيد للأفكار المناضلة الغيورة على القضية الأمازيغية وإرساء الديمقراطية، وتجربة لاستشراف المستقبل، وأن يعملوا على إعادة النظر في المنطلقات وآليات الاشتغال وبدل الجهد من اجل التأسيس لعمل أكثر احترافية ومصداقية عوض الارتكان إلى الحلول الجاهزة والمختصرة، مما سيعمل لا محالة في تعزيز دور الكونكريس كمنظمة دولية قوية قادرة على التأثير وذات حضور دولي فعال سيرقى بها إلى أن تصبح محاورا وممثلا حقيقيا للحركة الأمازيغية ببلاد تامازغا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire