بالمغرب ثلاثة تصورات حول الأمازيغية تمثل ثلاث قراءات للتاريخ و الحضارة و للواقع المغربي، تصور يعتبر الأمازيغية قضية غير ذات موضوع، حيث لا وجود للأمازيغ أصلا الذين هم عربٌ قدامى جاؤوا من اليمن و فلسطين و استوطنوا المغرب، مما يجعل الأمازيغية مجرد لهجة من بقايا العربية القديمة، و الدعوة لإحيائها مؤامرة أجنبية من مخلفات عهد الحماية. و التصور الثاني يرى بأن الأمازيغية مطروحة فعلا كمشكلة مغربية، و يعترف بوجود تهميش لها و بضرورة إنصافها في عدد من المجالات، غير أنّ هذا التصور يعتبر رغم ذلك بأن تدبير هذا الملف ينبغي أن يتمّ في إطار "الثوابت الوطنية" المحدّدة سلفا و هي "العروبة و الإسلام"، أي في إطار منظومة الفكر و الثقافة التي ورثتها عن الحركة الوطنية أحزاب و جمعيات و نخب كان لها دور ريادي طوال عقود الإستقلال، مما يجعل الأمازيغية مجرد رافد للعربية و أحد تلاوينها المحلية. أما التصور الثالث فهو الذي أسست له الحركة الأمازيغية، و مفاده أنّ الأمازيغية منظومة ثقافية هوياتية لغوية مستقلة، متجذّرة في الأرض المغربية منذ أقدم العصور، و أنها المحدّد المركزي لهوية المغرب و مظهر خصوصيته الحضارية، و أنها و إن تفاعلت مع مكونات أخرى فإنّ ذلك لا يعني أنها ذابت في تلك المكونات أو أصبحت رافدا ثانويا لغيرها.و بموجب الخطاب الأول تمّت المطالبة بـ"إماتة اللهجات البربرية" لكي تحيا العربية و تنتشر (عابد الجابري ـ علال الأزهر و آخرون) و بموجب الخطاب الثاني تمّت الدعوة إلى "الإستئناس باللهجات الأمازيغية لتسهيل تعلّم اللغة الرسمية"( ميثاق التربية و التكوين)، و بموجب الخطاب الثالث تمّت المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية و إدماجها في كل المجالات الحيوية (أدبيات ووثائق الحركة الأمازيغية). يسمح لنا هذا التصنيف الثلاثي أن نفهم ما جرى و يجري في موضوع الأمازيغية اليوم، لقد كان ثمة نقاش عمومي دام عقودا، و انتهى باستسلام أصحاب الموقف الأول، ليس بتراجعهم عن موقفهم و لكن فقط باللجوء إلى الصمت بعد الأحداث و التحولات التي تسارعت تباعا و التي جاءت متعارضة في مجملها مع ما كانوا يدعون إليه، أما أصحاب الموقف الثاني فقد اضطرّوا إلى الدخول في فترة تأمّل بضع سنين (ما بين 2001 و 2006)، لكي يظهروا بعد ذلك بصفوف متراصّة و خطاب واضح يدعو بدون تلعثم إلى إعادة النظر في التدابير التي تمّ اتخاذها لصالح الأمازيغية. أما أصحاب الموقف الثالث فقد عملوا على تطوير موقفهم و توضيحه ليشمل الجوانب التي لم يكن يطالها من قبل، و خاصّة ما يتعلّق بموضوع التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للمناطق المهمّشة، و الحق في استغلال الأراضي و التوزيع العادل للثروة، و فصل الدين عن الدولة، و اقتراح النموذج الفدرالي و المطالبة بالحكم الذاتي إلخ...كانت سنة 2001 لحظة تاريخية هامة، حيث سيتمّ فيها لأول مرّة استعمال كلمة أمازيغية في خطاب رسمي، و تبني عدد من الشعارات من طرف السلطة كانت من قبل شعارات للحركة الأمازيغية، كما سيتمّ لأول مرّة كذلك إنشاء مؤسسة عمومية خاصّة بالأمازيغية و هي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار تعاقد سياسي بين النخبة الأمازيغية و الملكية، و هو تعاقد تمّ بدوره في سياق مسلسل المصالحة الذي انتهجته السلطة العليا بهدف تسوية ملفات الماضي التي ظلت باعثة على النزاع داخل المجتمع و في الحياة السياسية، و كان ذلك بهدف تجديد الشرعية و ضمان السلم الإجتماعي و تقوية دور الفاعل الملكي في إحداث التوازنات الضرورية بين الفرقاء المختلفين، خاصة بعد انتقال العرش و بروز عدة عوامل دولية و إقليمية و وطنية ضاغطة في موضوع الحريات و الحقوق.و قد ارتكز التعاقد المذكور على التزامات من الطرفين، حيث على الطرف الأمازيغي أن يتعامل بشكل إيجابي مع الخطوة الملكية غير المسبوقة و أن يساهم من داخل المؤسسة في النهوض بالأمازيغية عبر وضع المخططات الإستراتيجية الكفيلة بذلك، و التعاون مع المؤسسات الحكومية في إدراج الأمازيغية في المجالات التربوية و الإعلامية و السوسيوثقافية، كما على الطرف الملكي منح الرعاية المطلوبة للمؤسسة و دعمها سياسيا و التدخّل عند الضرورة لحل المشاكل التي قد تعترض عملها لهذا السبب أو ذلك. و إذا كان الملك قد استند في القرار الذي اتخذه على الفصل 19 من الدستور فإن الفاعل الأمازيغي قد استند في قبوله للخطوة الملكية إلى تحليل سياسي اعتبر فيه مبادرة الملك جوابا على مبادرات سابقة للحركة الأمازيغية في اتجاه القصر : ( مذكرة الجمعيات الأمازيغية إلى الملك الحسن الثاني بشأن التعديل الدستوري 1996، بعد أن رفضت أحزاب الكتلة آنذاك إدراج المطلب الأمازيغي ضمن مذكرتها، و كذا رسالة الجمعيات إلى الملك محمد السادس بشأن الإعتراض على ميثاق التربية و التكوين و التماس التدخل الملكي لإنصاف الأمازيغية في التعليم سنة 1999، و التي كانت بمثابة مطالبة بتحكيم ملكي للفصل في النزاع الحادث بين الحركة الأمازيغية ـ التي غيبت من اللجنة التي وضعت الميثاق المذكور ـ و الأحزاب السياسية و باقي القوى التي تتبنى منظورا أحاديا للهوية و اللغة و الثقافة). و من جهة أخرى نجد بأن مطلب إنشاء معهد للدراسات و الأبحاث الأمازيغية كان دائما ضمن مطالب الحركة الأمازيغية منذ عقود. إضافة إلى أنّ قرار الملك الذي جاء عام 2001، مثّل خطوة غير مسبوقة في سياق انعدم فيه أي بديل آخر، حيث لم يكن ثمة من بين الأطراف المتواجدة في الساحة من وضع الأمازيغية ضمن أولوياته. زد على ذلك ما كان لدى النخبة الأمازيغية من وعي بأهمية الظرفية آنذاك لما كان يطبعها من توتّر و دينامية و انفراج سياسي نسبي، و هو ما كان يحتّم اتخاذ الموقف المناسب لانتزاع مكسب إحداث مؤسسة عمومية خاصة بالأمازيغية كخطوة أولى تساهم في خلق الدينامية المطلوبة لإنضاج الإعتراف السياسي الكامل ممثلا في الوثيقة الدستورية. و لقد كان خطاب أجدير (17 أكتوبر 2001) لحظة تاريخية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للفاعل الأمازيغي، فرمزية المكان، و حرص السلطة على استحضار جميع مكونات الحقل السياسي و النقابي و الإقتصادي و الديني بدون استثناء، و إشهادهم على القرار الذي تمّ اتخاذه، كلها كانت عناصر تنبئ على أنّ موضوع الأمازيغية قد أصبح بعد انتقال العرش من القضايا الكبرى ذات الصلة بسيادة الدولة و شرعية الملكية، و لم تعد مجرد مطالب ثقافية ثانوية كما كانت تعتبرها الأحزاب السياسية.غير أنّ الحدث لم يمر بدون أن يخلف عددا هاما من التساؤلات الخطيرة لدى الفاعلين الأمازيغيين على وجه الخصوص، فهل كانت المبادرة الملكية دليلا على وجود إرادة سياسية حقيقية لحلّ مشكلة الأمازيغية ؟ أم أن الأمر يتعلّق بشكل من أشكال التدبير الظرفي بخطوط حمراء غير مصرّح بها لتخفيض نسبة التوتّر و تفادي التصادم مع القوى المدنية ؟ إذا كانت ثمة خطوط حمراء ما هي بالضبط ؟ هل كان لدى السلطة تقدير خاطئ لحجم العمل الذي يمكن أن يقوم به المعهد الجديد و تداعياته و أبعاده السياسية و السوسيوثقافية ؟ هل يمكن للسلطة أن تقرّر النهوض الفعلي بالأمازيغية، و أن تعهد بذلك للفاعلين الرئيسيين في الحركة الأمازيغية دون أن تغير بشكل جذري مرجعياتها و إيديولوجياها السياسية و تأويلها للتاريخ الذي كان مبنيا بشكل كامل على تناسي المكون الأمازيغي ؟ ما الذي جعل السلطة ترصد كل هذه الإمكانيات الهامة لمؤسسة ضخمة بحجم إركام إذا كانت لا تنوي بالفعل الحسم في حلّ مشكل الأمازيغية و تسويته سياسيا ؟ هل تمّ حساب المخاطر التي قد تنجم عن فشل التجربة في حالة ما إذا لم تتوفر شروط نجاحها على الوجه المطلوب ؟ غير أن السؤال الأكثر إثارة هو التالي: كيف يمكن للتسوية السياسية لـ 17 أكتوبر 2001 أن تحسم القرار لصالح الأمازيغية إذا كانت معظم الاحزاب السياسية المتواجدة بالبرلمان و الحكومة و كذا مكونات من المجتمع المدني ما زالت تحتفظ بعقارب الساعة مثبتة في زمن سابق ؟ هل يمكن للمعهد وحده أن يشكل رافعة لتغيير وضعية الأمازيغية و نقلها من الهوامش المنسية إلى أحد الثوابت الوطنية ؟ ما مدى استعداد الحكومات للتعاون مع مؤسسة لم تفكر الأحزاب في إمكانية وجودها يوما ؟ و تناسلت على هامش الأسئلة المذكورة أسئلة أخرى من نوع : أية علاقة يمكن أن توجد بين الحركة الأمازيغية و المعهد الملكي ؟ هل هي علاقة تكامل أم تنافر ؟ هل يمكن أن تشكل الحركة الأمازيغية خلفية مدنية ضاغطة لدعم عمل المعهد داخل دواليب الدولة ؟ هل سيعمل المعهد انطلاقا من المرجعية الفكرية التي أرستها الحركة الأمازيغية أم أن ثمة توجيهات رسمية ستملى عليه من دوائر السلطة العليا ؟ تلك هي بشكل عام التساؤلات التي طرحت في تلك المرحلة، غير أنها على العموم تساؤلات غطى عليها الحدث بأهميته القصوى و بما كان له من أصداء داخل المغرب و خارجه. و لعلّ أهمّ النتائج الفورية التي لوحظت آنذاك، ظهور شعور كبير بالإعتزاز لدى الفئات العريضة من المجتمع، و التي كانت تشعر في انتمائها إلى الهوية الأمازيغية بقدر من الدونية مصدره شيوع أشكال من الميز خاصة داخل مؤسسات الدولة و في الأوساط الرسمية و داخل عدد من التنظيمات السياسية و الجمعيات المدنية. و لعلّ تلك هي أهم نتائج خطاب أجدير على الإطلاق، حيث لم تستطع الحركة الأمازيغية بسبب نخبوية خطابها و نقص إمكانياتها أن تلامس على نطاق واسع وعي الفئات الإجتماعية الدنيا.و اليوم و نحن على امتداد سبع سنوات من لحظة التأسيس بطموحاتها و أحلامها و حساباتها الظرفية و الإستراتيجية، نستطيع بعد استحضار المسافة و ما يؤثثها من أحداث و وقائع و إنجازات و خيبات و تراجعات أن نصوغ الخلاصات النقدية التالية، التي نجد فيها بعض إجابات للأسئلة التي طرحت في البدايات الأولى للتأسيس:1) أنّ الطموحات التي ارتبطت بالمعهد الملكي كانت أكبر بكثير من اختصاصاته و صلاحياته، خاصة بعد أن أظهرت التجربة عدم استعداد الوزارات الوصية للتعاون في المستوى المطلوب، كان هناك زمنان مختلفان، زمن العاملين داخل المعهد و زمن العاملين في الحكومة، الأوائل يعيشون سباقا يوميا مع الزمن بتفان و روح نضالية عالية، إدراكا منهم لحجم التأخر التاريخي الذي مقداره خمسون سنة، أما الأواخر فهم لا يرون في موضوع الأمازيغية ما يستحق الحزم أو الإسراع أو بذل أقل جهد ممكن، بل منهم من لم يقتنع بعد بوجود قرار سياسي في هذا الموضوع، و اعتبر أنّ الأمر لا يكتسي طابع الجدّية اللازمة، و هو ما يفسّر عدم تنفيذ الكثير مما تنصّ عليه مذكرات وزارية و قوانين تمّ الإلتزام فيها بالعديد من الإجراءات، و عدم وجود أية محاسبة للذين تعاملوا باستخفاف كامل مع الموضوع (رؤساء أكاديميات ـ مدراء مدارس ـ مسؤولون بالتلفزيون ـ مسؤولون بالداخلية إلخ..).2) وجود ثقافة و ذهنية تشكّلت على مدى عقود منصرمة، و لوبيات إدارية و سياسية تتعارض مصالحها مع القرار الملكي، مما جعل الأمازيغية تواجه مقاومة شرسة داخل دواليب الدولة، و هي مقاومة تتمّ في الخفاء، مع إعلان موقف إيجابي في ظاهر الخطاب للتمويه. يعكس هذا وجود جمود إيديولوجي كبير لدى عدد من الأحزاب السياسية، و قد ظهر بأنّ هذه اللوبيات قد عمدت في الآونة الأخيرة ـ منذ 2007 تحديدا ـ إلى استعمال اللوبي الثقافي ممثلا في عدد من الإطارات الثقافية و المثقفين البارزين الذين بدأوا يتحركون و يدعون إلى إعادة النظر في الإختيارات التي أرساها المعهد الملكي ( إجبارية الأمازيغية و تعميمها في التعليم ـ اختيار تيفيناغ ـ توحيد اللغة الأمازيغية ـ الإنتاج التلفزيوني بالأمازيغية إلخ..) بحجة أنّ الأطراف الحزبية و التيارات الأخرى غير ممثلة في المعهد، بل إن أحدهم (عبد القادر الفاسي الفهري) اعتبر بأن ما يدبّر في المعهد الأمازيغي يتمّ في إطار "لا وطني" !!؟.3) يمكن التمييز في عمل المعهد الملكي بين ثلاث مستويات: المستوى السياسي الإستشاري و الذي يحدّد دور المعهد كمؤسسة وسيطة، المستوى الأكاديمي العلمي الذي يخول للمعهد صلاحية تهيئة اللغة و الثقافة و بنائهما على أسس حديثة و علمية، مستوى العلاقة بالمحيط و بالمجتمع. و بهذا الصدد يمكن القول إن المعهد لم يستطع بعد أن يوازن في عمله بين الدورين الإستشاري السياسي و الأكاديمي العلمي، حيث بدا بأن الجهود العظيمة و التأسيسية التي بذلت بداخله في بناء اللغة الأمازيغية المعيار و تأليف الكتب المدرسية و تأطير الأبحاث و الجمع و التدوين و التوثيق و دعم مشاريع الجمعيات و إصدار المنشورات (أزيد من مائة كتاب)، لا تجد طريقها نحو المجتمع كما لا تؤدّي الدور الإشعاعي اللازم بسبب انعدام القنوات الكفيلة بذلك و التي تحتكرها سلطات و جهات أخرى، و هذا يحتّم بذل جهود أكبر على مستوى الإتصال و التواصل و التوفر على دبلوماسية نشطة في التعامل مع مختلف الأطراف المعنية و الفاعلة، و التي يقع على عاتقها النهوض بالأمازيغية بجانب المعهد الذي ليس إلا طرفا من بين أطراف عديدة.4) لم يبدُ على المستوى العام في سياسة الدولة و مرجعيتها و خطابها الإيديولوجي تغيير كبيبر ينمّ عن اعتراف بالأمازيغية كما ورد في خطاب أجدير أو قبل ذلك في خطاب العرش (30 يوليوز 2001)، فما زالت ثمة ترسانة قانونية معتمدة في العديد من المرافق مرّت عبر الحكومة و البرلمان منذ عقود، و تتعارض كليا مع قرار إنصاف الأمازيغية، و علاوة على العراقيل التي توضع أمام مشروع تعميم تعليم الأمازيغية أفقيا و عموديا، و مشروع النهوض بالإعلام الأمازيغي، فما زالت "العروبة و الإسلام" شعارا يرفع في نشرات الأخبار و في عدد من المناسبات الرسمية التي يتحدّث فيها عن المغرب بوصفه "بلدا عربيا"، و عن تاريخ المغرب الذي بدأ مع فاس من 12 قرنا فقط، و ما زالت عبارة " المغرب العربي" تتكرر بنفس الوتيرة، كما أن بوابة المغرب في الأنترنيت تتضمن معطيات متقادمة لا تقيم وزنا للقرار الرسمي بشأن الأمازيغية، و تحفل المقررات الدراسية بمواد و معلومات محرفة لا تتطابق مع مضمون خطاب أجدير، و ما زال حرف تيفيناغ يلاقي الكثير من المقاومة في المجال العمومي من بعض مسؤولي وزارة الداخلية رغم إصرار عدد من الأطراف على استعماله و منها جماعات محلية، و قد تقدم أعضاء من الفريق الإستقلالي بمقترح قانون بالبرلمان قبل ثلاثة أشهر فقط يطالب بتغريم كل من استعمل لغة أو حروفا غير العربية في الحياة العامة، هذا بعد مرور خمس سنوات على إدراج الأمازيغية في النظام التربوي و إقرار تيفيناغ حرفا لتدريسها، و ما زال ضباط الحالة المدنية يرفضون تسجيل الأسماء الأمازيغية للمواليد، و ما زالت ثمة ترسانة قانونية معتمدة في العديد من المرافق مرّت عبر الحكومة و البرلمان منذ عقود و تتعارض كليا مع قرار إنصاف الأمازيغية، إلى غير ذلك من أنواع الميز المتواصلة..5) لم يكن ثمة تكامل عقلاني و توزيع أدوار ذكي و عفوي بين المعهد الأمازيغي و الحركة الأمازيغية، فالعمل التأسيسي على الصعيد الأكاديمي بحاجة إلى ضغط شعبي لكي يحقق إشعاعه المطلوب عبر القنوات الرسمية في ظل الوضعية التي تمتّ الإشارة إليها، و خلافا لما ذهب إليه أصحاب نظرية المؤامرة من الفاعلين الجمعويين و مناضلي الحركة الأمازيغية، ظهر أنّ أيّ تراجع لنضالية الحركة و أي انقسام أو تشرذم في صفوفها سينعكس سلبا على مردودية المعهد الذي هو في أمسّ الحاجة لعمل اللوبي المدني الضاغط، و قد اتضح هذا أكثر مع ضعف الضغط المؤسساتي الذي يمارسه المعهد داخل دواليب الدولة، و عدم مردودية اللجان المشتركة مع الطرف الحكومي في التفعيل و المتابعة.6) برزت في الآونة الأخيرة عدّة انتفاضات ذات طابع اجتماعي في عدد من المناطق الأمازيغية المهمّشة، و هي انتفاضات تحاول الحركة الأمازيغية استثمارها في خطابها بشكل راديكالي لمهاجمة السلطة و نقد سياستها اللاشعبية، غير أنّ مكمن الخلل في هذه العملية هو أنّ الإنتفاضات المذكورة لا تتمّ بشعارات هوياتية أمازيغية، مما يجعل السلطة ووسائل الإعلام تتعامل معها على أنها انتفاضات جوع و بطالة و تهميش مادي لا علاقة له بأطروحة الهوية و الثقافة، و يظهر هذا مقدار قصور الحركة الأمازيغية و غياب تأطيرها للساكنة الأمازيغية . كما أنّ قيام وزارة التربية الوطنية مؤخرا بتوزيع محافظها على أطفال المدارس الفقراء و استثناء الكتاب المدرسي الأمازيغي يظهر انعدام التنسيق بين الوزارة و المعهد الأمازيغي الذي يمكن أن يلعب دور القوة الإقتراحية على عدّة أصعدة، كما تظهر هذه العملية تراجع دور المعهد الذي لديه من الإمكانيات ما يكفي لشراء الكتب المدرسية الأمازيغية للأطفال الفقراء في عدد كبير من المناطق.خاتمة:تبقى ثمة جملة أسئلة تطرح نفسها في السياق الراهن بإلحاح، و التي قد تحمل الأيام المقبلة جوابا لها :ـ هل تمثل وضعية "البلوكاج" الحالية و التراجعات الملموسة مرحلة تأمل بالنسبة للسلطة في موضوع الأمازيغية ؟ هل كانت السلطة قد وضعت خطوطا حمراء في حدود إيديولوجياها الرسمية "للنهوض بالأمازيغية" ثمّ تبيّن بأن العمل الذي يتمّ إعداده يتجاوزها في اتجاه الترسيم الفعلي للأمازيغية هوية و لغة و ثقافة، و هو ما ليست مستعدّة له حاليا ؟ـ و لكن في المقابل كيف اختارت السلطة النخبة الطليعية للحركة الأمازيغية للقيام بدور محدود و هي على علم بمبادئ هذه النخبة و أهدافها الكبرى ؟ و لماذا لم تصرّ على إقحام الأطر الحزبية و التيارات الأخرى في هذا المشروع ؟ ألا يدلّ ذلك على وجود إرادة سياسية لتسوية ملف مزعج داخليا و في المحافل الدولية ؟ـ هل يمكن للسلطة أن تتراجع في موضوع الأمازيغية عما تمّ التنصيص عليه حتى الآن من مبادئ و توجهات كما يدعو إلى ذلك أصحاب التصور الإستيعابي الداعي إلى أمازيغية تحت وصاية المنظومة الثقافية العربية ؟ ما هي كلفة ذلك التراجع من الناحية السياسة و ما عواقبها الخطيرة على السلم الإجتماعي ؟ و كيف يمكن مع ذلك الحديث عن "عهد جديد" من أي نوع في غياب الحلول الناجعة و الجذرية للمشاكل المزمنة ؟ و إلى متى يمكن للأمازيغية أن تستمر في الإعتماد فقط على "الرعاية الملكية" في غياب الإقرار الدستوري و الترسانة القانونية الحامية لها داخل المؤسسات ؟ـ و لكن أليس الحديث عن "التراجع" أمرا مبالغا فيه، ألم يتقرّر إدماج الأمازيغية في مؤسسات بلغت في فسادها و تدهورها حدّا يكاد يكون ميؤوسا منه بعد عقود من الفساد و الإفساد ؟ هل يمكن إنجاح تعليم الأمازيغية داخل منظومة تربوية سقيمة ؟ أليس التراجع في مجال الأمازيغية مظهرا من مظاهر التراجع العام الذي أصاب كل الأوراش التي تمّ التبشير بها و العمل فيها منذ عشر سنوات، مما يحثّ على التفكير في الأسباب العامة للوضعية المتردية بكاملها ؟يتّضح من مجمل ما ذكرناه أنّ خطاب أجدير و إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ليس وحده الحل لمشكلة الأمازيغية في غياب كل الأطراف الأخرى المسؤولة في الدولة و المجتمع، حيث أنّ عمل المؤسسة الوسيطة لا يمكن أن يكون مثمرا إلا في وسط ديمقراطي يقوم فيه كلّ بدوره، و نعني هنا تحديدا السلطة العليا و الحكومة والمعهد الملكي و الأحزاب السياسية و المجتمع المدني
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire