samedi 25 octobre 2008

صدام لغات أم صدام إيديولوجيات / بقلم الأستاذ أحمد عصيد

نشرت أسبوعية الأيام في العدد 349 مقالا لرئيس تحريرها السيد نور الدين مفتاح بعنوان "صدام اللغات"، عاد بنا فيه إلى الوراء، إلى الصفر، بعد أن قطعنا أشواطا في التفاهم. ويبدو أنّ الكاتب لم يعط أية أهمية لوثيقة "مقترح قانون لتعريب الإدارة والحياة العامة" ـ التي اقترحها أعضاء من الفريق الإستقلالي ـ في حدّ ذاتها ولمنطوقها وصياغتها، واهتمّ أكثر بما أثارته من نقاش وردود أفعال، ولهذا لم ينتبه مثل غيره ممن اتخذ نفس الموقف المتسرع إلى ما يكتنفها من عيوب وخلط متعمد سيثير المزيد من الصراعات إن استمرّ أصحابها في محاولة تمريرها على علاتها. وبهذا الصدد نبدي جملة ملاحظات على مقال السيد مفتاح: 1) أنّ عنوان المقال لا يتطابق مع مضمونه، إذ أنّ مضمون المقال لا يفيد بأنّ بالمغرب لغات تتصادم أو تتصارع، بقدر ما يشير إلى وجود إيديولوجيات لغوية وهوياتية ذات منطلقات وأهداف مختلفة تتواجه في ظل سياسة لغوية غامضة وغير ديمقراطية. فالثقافات واللغات والحضارات لا تتصادم بل الذي يقوم بذلك هي مواقف الإنسان المبنية على اختيارات و توجّهات وأساليب عمل وتدبير. 2) يضمن المقال خلطا بين مضمون وثيقة مقترح القانون والعمل السياسي للبرلمانيين، فاعتبار أنّ من حق برلمانيين أن يقوموا بعملهم السياسي في إطار مهمتهم التي انتخبوا من أجلها لا يعني بأنّ مقترحهم وجيه ومعقول إذ يمكن لبرلمانيين أن يقترحوا أمرا يمس بحق من حقوق الغير خاصة إذا كانوا ينتمون إلى تيار أو حزب قائم على إيديولوجيا إقصائية أو عنصرية. وهو ما حصل بالنسبة للوثيقة المذكورة. 3) قام الكاتب بالجمع بين الفرنكوفونيين والأمازيغيين في سلة واحدة، مما أدّى إلى خلق لبس لدى القارئ يوهمه بأنّ الأمازيغيين اعترضوا على مقترح القانون الإستقلالي من منطلق العداء للغة العربية، وهذا تغليط استوجب منا التعقيب الحالي، حيث كنت من الأوائل الذين دعوا إلى حملة ضد المقترح المذكور لأسباب أوردناها بتفصيل في الصحافة الوطنية والأجنبية والتي لا علاقة لها مطلقا بأي موقف سلبي من اللغة العربية، وإنما نبهنا فيها إلى الخلط المتعمد في الوثيقة المذكورة بين اللغة الفرنسية الأجنبية واللغات الوطنية المغربية والتي منها الأمازيغية. حيث لا يدعو المقترح الإستقلالي إلى منع استعمال الفرنسية في المراسلات الإدارية والمجال العمومي والشارع، بل يدعو إلى منع استعمال أية لغة غير العربية وأية حروف غير الحروف العربية في اللافتات والملصقات والدعوات والعلامات في المحلات والشركات والمكاتب إلخ.. ويدعو إلى الحكم بالغرامة على كل من سوّلت له نفسه ذلك، والسيد مفتاح يعرف كيف ستفهم 422 جمعية أمازيغة نشيطة في كل مناطق المغرب مقترح الإستقلاليين، وكيف ستفهمه مؤسسة عمومية وهي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والتي تسعى جميعها جاهدة إلى تعميم حروف تيفيناغ في الفضاء العمومي في الدعوات واللافتات والملصقات والعلامات والقاعات العمومية والتقارير وكل المجالات التي يدعو فيها المقترح إلى فرض اللغة الواحدة الوحيدة. 4) اعتبر السيد مفتاح بأنّ الأعضاء الإستقلاليين قد "سكتوا تعففا" أمام الهجوم الفرنكوفوني الأمازيغي، والحقيقة أنّ اللوبي الإستقلالي الذي يعمل بتوزيع أدوار ذكي بين أعضائه يسعى داخل دواليب الدولة إلى إبادة التنوع اللغوي الوطني وتحقيق التعريب المطلق للشخصية المغربية دون التخلي فعليا عن اللغة الأجنبية التي لهم فيها مآرب أخرى في مجالات أخرى. فسكوت الإستقلاليين ليس تعففا بل عن وعي بأهدافهم الحقيقية التي هي أبعد ما تكون عن النبل والحس الوطني الحقيقي. ذلك أن الوطنية هي التشبث بالأرض المغربية وما عليها من خيرات مادية ورمزية وليس التخطيط للتمكين لعنصر ما على حساب العناصر الوطنية الأخرى. 5) استعمل السيد مفتاح وهو يتحدّث عن ردّ فعل الأمازيغيين عبارة "ينتخبون من أجل الأمازيغية"، وهو تعبير يتعامل باستخفاف مع موقف نقدي واضح وديمقراطي ضدّ نزعة الإثنوسيد الفاشستية، والحقيقة أن السيد مفتاح لم يتحلّ بالنزاهة الفكرية المطلوبة عندما قام بتبرير وثيقة ربما لم يتجشم حتى عناء قراءتها بتمعن، إلا إذا كان بدوره مثل أصحاب المقترح لا يكترثون مطلقا بمصير الأمازيغية. إنّ ما يرفضه الأمازيغيون هو العودة إلى الوراء، وإعادة لغتهم و ثقافتهم إلى وضعية الطابو التي خرجت منه للتو، والتي يحاول أن يعيدها إليه من ما زال يحمل إيديولوجيا متقادمة تعاني من جمود قاتل. 6) نصح السيد مفتاح الأمازيغ بعدم" ذبح المطالب بالعداء للغة العربية"، وجوابنا هو التالي: لم يكن للأمازيغ قط عبر تاريخهم الطويل موقف عداء لأية لغة أو ثقافة، ونحن اليوم نميز بوضوح فكري وسياسي بين اللغة العربية وبين إيديولوجيا التعريب المطلق، فإذا كانت للغة العربية مكانة اللغة الرسمية، فإنّ تفعيل هذه المكانة لا يستوجب إبادة تعددنا اللغوي الوطني وتحقير الأمازيغية واستهدافها كاللغات الأجنبية، بل الواجب هو تعديل الدستور لضمان الحماية القانونية للأمازيغية بجانب العربية، حتى لا يتجرّأ عليها أمثال الإستقلاليين. وأخيرا من حقنا أن نطرح السؤالين التاليين: ما الذي يمنع أصحاب المقترح المهزلة من تقديمه في صيغة مشروع قانون وهم يتوفرون على وزير أول وعلى أغلبية في البرلمان والحكومة؟ وما الذي يمنعهم إذا هم شعروا بتأنيب الضمير من إعادة صياغة مقترحهم بشكل يركز على اللغة الفرنسية عوض استهداف كل اللغات غير العربية، فيضمون بذلك الأمازيغيين إلى صفوفهم؟ أسئلة نطرحها للسيد مفتاح علّه يساعد الإستقلاليين في التفكير بروية ووطنية

Aucun commentaire: